Nour Heart
Nour Heart
Nour Heart
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

Nour Heart

منتدى متنوع
 
الرئيسيةالبوابة*أحدث الصورالتسجيلدخول
رؤية تصحيحية لمفاهيم حول الحملة الفرنسية على مصر 195830874
بحـث
 
 

نتائج البحث
 
Rechercher بحث متقدم
المواضيع الأخيرة
» هيا نبدأ يومنا ببعض الأذكار
رؤية تصحيحية لمفاهيم حول الحملة الفرنسية على مصر Icon_minitimeالخميس ديسمبر 31, 2015 6:01 pm من طرف kareemo7ey

» لا .. الماكياج مش حرام !!!
رؤية تصحيحية لمفاهيم حول الحملة الفرنسية على مصر Icon_minitimeالخميس ديسمبر 31, 2015 5:58 pm من طرف kareemo7ey

» ماذا يحدث لوالديك عند زيارة قبرهما ؟
رؤية تصحيحية لمفاهيم حول الحملة الفرنسية على مصر Icon_minitimeالإثنين ديسمبر 09, 2013 2:47 am من طرف محيي الدين

» ماتستناش حد مش جاي
رؤية تصحيحية لمفاهيم حول الحملة الفرنسية على مصر Icon_minitimeالأحد ديسمبر 08, 2013 10:16 pm من طرف محيي الدين

» الى كل فتاة سمحت لشاب أن يكلمها
رؤية تصحيحية لمفاهيم حول الحملة الفرنسية على مصر Icon_minitimeالثلاثاء ديسمبر 03, 2013 7:08 pm من طرف محيي الدين

» اضحك مع نفسك
رؤية تصحيحية لمفاهيم حول الحملة الفرنسية على مصر Icon_minitimeالأحد ديسمبر 01, 2013 3:06 pm من طرف محيي الدين

» لو حملت امك على ظهرك العمر
رؤية تصحيحية لمفاهيم حول الحملة الفرنسية على مصر Icon_minitimeالسبت نوفمبر 30, 2013 9:35 pm من طرف محيي الدين

» أفضل عشرة أطباء في العالم
رؤية تصحيحية لمفاهيم حول الحملة الفرنسية على مصر Icon_minitimeالأحد نوفمبر 24, 2013 9:39 pm من طرف محيي الدين

» إلى كل من لديه أم
رؤية تصحيحية لمفاهيم حول الحملة الفرنسية على مصر Icon_minitimeالجمعة نوفمبر 22, 2013 5:32 pm من طرف محيي الدين

» إلتهاب الأعصاب السكري
رؤية تصحيحية لمفاهيم حول الحملة الفرنسية على مصر Icon_minitimeالجمعة نوفمبر 22, 2013 3:20 pm من طرف محيي الدين

» اللهم عفوك ورضاك
رؤية تصحيحية لمفاهيم حول الحملة الفرنسية على مصر Icon_minitimeالأربعاء نوفمبر 20, 2013 5:03 pm من طرف محيي الدين

» الجنه درجه
رؤية تصحيحية لمفاهيم حول الحملة الفرنسية على مصر Icon_minitimeالأربعاء نوفمبر 13, 2013 10:10 pm من طرف محيي الدين

» بعد أن تتوفى الأم و تصعد روحها إلى السماء ..
رؤية تصحيحية لمفاهيم حول الحملة الفرنسية على مصر Icon_minitimeالسبت نوفمبر 09, 2013 12:48 pm من طرف محيي الدين

» ادعية الانبياء
رؤية تصحيحية لمفاهيم حول الحملة الفرنسية على مصر Icon_minitimeالسبت نوفمبر 09, 2013 10:10 am من طرف محيي الدين

» امك ثم امك ثم امك
رؤية تصحيحية لمفاهيم حول الحملة الفرنسية على مصر Icon_minitimeالسبت نوفمبر 09, 2013 6:37 am من طرف محيي الدين

» ماذا لو تكلم الموتى
رؤية تصحيحية لمفاهيم حول الحملة الفرنسية على مصر Icon_minitimeالسبت نوفمبر 02, 2013 12:12 pm من طرف محيي الدين

» خمس عادات فاعلة لتنظِّف كبدك من السموم في تسعة أيام
رؤية تصحيحية لمفاهيم حول الحملة الفرنسية على مصر Icon_minitimeالأربعاء سبتمبر 25, 2013 9:41 am من طرف محيي الدين

» الطريق إلى جبال الألب
رؤية تصحيحية لمفاهيم حول الحملة الفرنسية على مصر Icon_minitimeالخميس سبتمبر 12, 2013 11:09 am من طرف مجدى سالم

» جزر فارو الدنمركية والطبيعة الساحرة
رؤية تصحيحية لمفاهيم حول الحملة الفرنسية على مصر Icon_minitimeالخميس سبتمبر 12, 2013 10:58 am من طرف مجدى سالم

» مسجد السلطان عمر سيف الدين الاجمل في جنوب شرق آسيا صور! !!
رؤية تصحيحية لمفاهيم حول الحملة الفرنسية على مصر Icon_minitimeالخميس سبتمبر 12, 2013 10:51 am من طرف مجدى سالم

ازرار التصفُّح
 البوابة
 الصفحة الرئيسية
 قائمة الاعضاء
 البيانات الشخصية
 س .و .ج
 ابحـث
منتدى
التبادل الاعلاني
احداث منتدى مجاني
pubarab

 


 

 رؤية تصحيحية لمفاهيم حول الحملة الفرنسية على مصر

اذهب الى الأسفل 
كاتب الموضوعرسالة
محيي الدين
المدير العام
المدير العام
محيي الدين


تاريخ التسجيل : 15/02/2009
المساهمات : 3811
العمر : 77
الموقع : مدينه المنصوره
العمل/الترفيه : بالمعاش

رؤية تصحيحية لمفاهيم حول الحملة الفرنسية على مصر Empty
مُساهمةموضوع: رؤية تصحيحية لمفاهيم حول الحملة الفرنسية على مصر   رؤية تصحيحية لمفاهيم حول الحملة الفرنسية على مصر Icon_minitimeالثلاثاء ديسمبر 01, 2009 5:47 pm


رؤية تصحيحية لمفاهيم حول الحملة الفرنسية على مصر


كتبه/ علاء بكر




الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛
فيرى الكثيرون أن "الحملة الفرنسية على مصر" هي التي أيقظت "مصر" -والشرق- من سبات عميق، ونهضت بها من رقادها، لتبدأ نهضة حديثة على يد "محمد علي باشا"، والحقيقة أن "مصر" -والشرق- شهدت بوادر إصلاح ويقظة سبقت مجيء "الحملة الفرنسية على مصر"، وكانت تبشر بالخير، ولكن تيار التغريب والعلمانية الذي عصف بالمنطقة على يد حكامها قاد الأمة إلى تبعية للغرب وساقها إلى ما نحن فيه الآن ونعاني منه.
لقد شهدت "الدولة العثمانية" تفوقًا ملموسًا في الميادين الداخلية والخارجية في القرون الهجرية الثلاثة -التاسع والعاشر وأوائل الحادي عشر- ثم تدهورت أحوالها وبدأت في التأخر لعوامل عديدة من ضعف السلاطين، وفساد الحاشية، وسوء الإدارة، والغلو في نزعة التصوف.
وزاد في أعباء "الدولة العثمانية" تعدد القوميات التي تحت حكمها خاصة مع إذكاء الدول الأوروبية للحركات القومية والطائفية في الأراضي العثمانية، وزاد الأمر سوءًا ظهور النهضة العلمية والتقنية في أوروبا في القرن الثالث عشر الهجري -التاسع عشر الميلادي- وانشغال "الدولة العثمانية" بالدفاع عن أراضيها ضد الزحف الاستعماري عليها، وكذلك مواجهة مشكلاتها الداخلية المتلاحقة، مما ساهم في تخلف العثمانيين عن مواكبة التطور العلمي والتقني الذي ساد أوروبا.
وقد عانت المجتمعات الإسلامية من آثار هذا الضعف خاصة في ظل قفل باب الاجتهاد، وسد باب التجديد، وانتشار الجمود الفقهي، وشيوع البدع والخرافات الفكرية والعقدية في الأمة.
ولكن الأمة لم تخلُ من محاولة اليقظة والإصلاح؛ يقول "د.عبد اللطيف بن محمد الحميد" في تحقيقه لكتاب "تاريخ جودت" للمؤرخ التركي "أحمد جودت باشا"(1): "وكانت إرهاصات دعوات الإصلاح إسلامية المبدأ، تعتمد على تراث الأمة منذ منتصف القرن الحادي عشر الهجري عندما وضع كل من "حسن كافي الأقحصاري" -ت 1024هـ-، و"قوجي بك" -ت 1060هـ-، و"حاجي خليفة" -ت 1067هـ- وغيرهم برامج إصلاحية ذات أسس إسلامية ومنطلقات سليمة، وقد اتسمت محاولات الإصلاح تلك بأنها كانت بعيدة عن تأثير الحضارة الغربية المجاورة، ولكن مع بداية القرن الثالث عشر الهجري ظهرت أفكار إصلاحية متأثرة بالحضارة الغربية"(2).
"وبدأ الاقتباس بنقل شكليات ومظاهر المدينة الغربية دون جوهر التقدم العلمي والتقني"(3)، "وبازدياد الضغط الأوروبي الروسي والبريطاني والفرنسي دخلت الإصلاحات العثمانية طورًا جديدًا في فرض التغريب على العثمانيين"(4)، "ولا ريب أن الدولة العثمانية كانت بحاجة إلى كثير من الإصلاحات في نظمها وأسلوب إدراتها"(5)، "ولكن الدول الغربية كانت تنادي بها لغاية واحدة هي منح الأقليات الغير مسلمة حريات وحقوقًا تتحول إلى امتيازات خاصة، تكون ذريعة للتدخل الأجنبي"(6).
وانتابت "الدولة العثمانية" حالة من التخبط في ظل توجهين:
1- توجـُّه إسلامي في الإصلاح، ولكنه منقسم على نفسه بين اتجاهات محافظة، واتجاهات صوفية، واتجاهات تجديدية.
2- توجه ثقافي وافد؛ يضم تيار العلمانية وتيار القومية التركية، إلى جانب أنشطة التنصير، والاستشراق، والماسونية.
وصارت الدولة في الاتجاه التغريبي الوافد في مجال السياسة والإدارة والفكر والثقافة بتشجيع من بعض السلاطين فسارت الأمة نحو التغريب وعلمنة القانون والتعليم، ولقد وقف العلماء والمصلحون الإسلاميون في وجه الأفكار التغريبية الوافدة، ولكن كما قال "د.عبد اللطيف بن محمد الحميد": "ولكنها مواقف متباينة وغير منسقة بسبب توزع الاتجاهات الإسلامية وتنوعها"(7)، فلم تنجح في وقت تيار التغريب.
وفي الجزيرة العربية ظهرت "دعوة الشيخ محمد بن عبد الوهاب" الإصلاحية، والتي سعت إلى إيقاظ الأمة من غفوتها وإعادتها إلى التمسك بهدي سلف الأمة، وإعادة بناء الأمة من جديد على التوحيد الخالص والهدي النبوي القويم، فلقد رأى "الشيخ محمد بن عبد الوهاب" ما وصلت إليه الأمة من الجهل والتخلف والانحطاط، فأراد أن تكون بداية الإصلاح من إصلاح أحوال الأمة الدينية.
وقد استطاع الوهابيون إقامة دولة قوية لها دعوتها الإصلاحية الجديرة بإيقاظ الأمة من غفوتها، ولكنها لم يكتب لها الاستمرارية إذ تصدى لها "محمد علي باشا" صاحب التوجه التغريبي، ونجح في القضاء على نفوذها السياسي، وإن لم يقض على الدعوة الوهابية.
ومعلوم أن "الدعوة الوهابية" ودولتها سبقت مجيء "الحملة الفرنسية على مصر" بزمان، إذ إن "الشيخ محمد بن عبد الوهاب" قد بدأ دعوته في عام 1153هـ - 1740م، ونجح في الاستيلاء على "الرياض" في عام 1187هـ -1773م-، وإقامة دولته الفتية في نجد وما حولها، واستكمل أتباعه جهوده من بعده؛ ففتحوا "الحجاز" وضموها إلى دولتهم قبل أن ينجح "محمد علي باشا" في القضاء على نفوذها السياسي، وقد استطاعت "الدعوة الوهابية" بمبادئها الإصلاحية السلفية أن تؤثـِّر -وما زالت- في المجتمعات الإسلامية داخل وخارج الجزيرة العربية إلى يومنا هذا.
أما في مصر:
فقد شهدت إرهاصات يقظة ثقافية علمية في أواخر القرن الثامن عشر، قبل مجيء "الحملة الفرنسية على مصر"، تصدرها علماء من الأزهر؛ إذ كان الأزهر وقتها الجهة المنوط بها العلم والتعليم، وقد أشار إلى ذلك "بيتر جران" أستاذ تاريخ الشرق الأوسط المساعد بجامعة "تمبل" في "فيلادلفيا" بولاية "بنسلفانيا" بـ"أمريكا" في دراسته المسماة: "الجذور الإسلامية للرأسمالية": مصر 1760م - 1840م(8)، وهي الفترة التي شهدت بوادر صحوة علمية ثقافية، هي انعكاس لواقع اجتماعي وتطور اقتصادي في مصر في هذه الفترة.
يقول "بيتر جران": "إن قوائم المخطوطات الممتازة بالجامع الأزهر وبدار الكتب تمثل مصدرًا رئيسًا لرسم صورة واضحة لصحوة القرن الثامن عشر في مصر". ص:17.
ويقول: "لقد اكتشفت خلال هذا البحث أن علماء الأزهر كانوا في قلب عملية البناء الثقافي، وإذا تناولنا كتابات هؤلاء العلماء ككل نجد أن لها منطقها الذي ترسخ بقوة في البنية الطبقية". ص:21.
ويقول: "إن تحليل القرن الثامن عشر يتركز في المجالات القريبة من دراسات (الحديث) مثل التاريخ، وعلوم فقه اللغة المقارن. لقد حققت هذه الدراسات تقدمًا عظيمًا تميز بنشر النصوص ودراسة ومحاكاة النماذج الكلاسيكية".
"أما في المرحلة الثانية فقد تحول الاهتمام إلى الميادين التي تخدم دراسات علم الكلام مثل المنطق والجدل والطب والعلوم الطبيعية.
لقد حققت هذه العلوم صحوة عالمية، كما أنها سارت في طريق الاندماج في اتجاهات علمية أوسع كما حدث في أوروبا؛ خصوصًا في بلاد البحر المتوسط الأوروبية والتي استمرت في تطورها في فجر عصر الصناعة.
إن دراسة التطور الثقافي في مصر قد تكشف عن حقيقة هامة، وهي أن عملية التطور وإعادة الإنتاج والإضافة في مجال الثقافة اعتمدت إلى حد كبير على عملية التفاعل بين المراكز الثقافية العديدة في الإمبراطورية العثمانية، وخصوصًا دمشق واستانبول، لقد كان الدارسون يرحلون من مكان إلى آخر طلبًا للحج والتجارة، كما كانت دراستهم لا تنقطع في كل مكان يحطون فيه". ص:23-24.
ويقول: "والتحليل الموضوعي لهذه الصحوة الثقافية يدل على أنها كانت انعكاسًا لازدهار التجارة في نفس الفترة". ص:10.
ويقول: "كانت السنوات من 1760م إلى 1790م تمثل الفترة الرئيسة في الصحوة الثقافية في القرن الثامن عشر". ص:147.
ومن أشهر علماء هذه الفترة "الشيخ محمد الزبيدي"، "والشيخ حسن العطار"، وهما يمثلان النموذج الثقافي في تلك الفترة وطليعته.
الشيخ محمد الحسيني الزبيدي:
هو محدث ماتريدي، ولد في "زبيد" ونشأ هناك، ثم رحل في طلب العلم، وجاء "مصر" سنة 1167هـ، وحضر دروس أشياخ زمانه، وما لبث أن ظهر فضله عند الخاص والعام، عرف اللغة التركية والفارسية(9).
يقول "بيتر جران": "ويجد الباحث في شخصية "الزبيدي" أصول النظرية العلمية التي نمت في القرن التاسع عشر وتمثلت في الرموز الثقافية في تلك الفترة أمثال "حسن العطار" و"رفاعة الطهطاوي".
وإذا كان "الزبيدي" هو تلك الشخصية الفريدة في العصر الذي عاش فيه، كما كان أبرز كـُتـَّابه، فإن محاولة دراسة هذه الشخصية ودورها -ولو في الحديث فقط- يمثل عملاً ضخمًا؛ فكتاباته عديدة، والذين درسوا عليه كثيرون، ورحلاته واتصالاته واسعة، ويتضح من رواياته الخاصة أنه درس الحديث في "الهند" على "الشاه ولي الله"، وحصل منه على إجازة، كما ورد في رواياته أيضًا أنه درس بـ"الحجاز"، وصور "الجبرتي" لحظات وصوله إلى "مصر" عام 1754-1167هـ باعتبارها لحظات عظيمة في الحياة الفكرية في القرن الثامن عشر"(10).
وكان لـ"الزبيدي" طلاب من الأتراك والمماليك والمصريين والعرب. "كما قام برحلات واسعة إلى الصعيد"(11)، "وإلى جانب الدور التعليمي لـ"الزبيدي" اشتهر أيضًا بأبحاثه في الحديث"(12).
"كان "الزبيدي" واسع الاطلاع كما كان له طريقته المتميزة في التعليم، وكان ذلك مصدر مكانته الرفيعة في "مصر" في أواخر القرن التاسع عشر، واعتاد عند إلقاء دروسه في الحديث أن يقدم سلسلة الرواة كاملة، وكان يعرفها عن ظهر قلب، ويتبعها بذكر بعض الأبيات من الشعر، وبينما كانت سمعة "الزبيدي" تزدهر في "مصر" تحول من رواية الحديث إلى تحليل الحديث، ومن هنا كانت دروسه مثيرة للإعجاب وكان يلقيها في المساء بمنزل أحد الأعيان، وهناك سمة جديرة بالانتباه وهي حضور النساء والأطفال هذه الجلسات العلمية"(13).
يقول "جورجي زيدان" في كتابه "مصر العثمانية" عن "الزبيدي": "وزادت منزلته على الخصوص لما فرغ من كتابه "تاج العروس"، وهو أشهر مؤلفاته، وفي شهرته ما يغني عن وصفه فإنه يدخل في عشرة مجلدات، طبع في "القاهرة" سنة 1306هـ، وفي صدره مقدمة نفيسة في اللغة ومراتب اللغويين"(14) "وله كتاب "نشوة الارتياح في بيان حقيقة الميسر والقداح" منه نسخة خطية في "برلين"، وله كتب أخرى"(15).
وقد توفي -رحمه الله- سنة 1205هـ قبل مجيء "الحملة الفرنسية على مصر"(16).
الشيخ حسن العطار:
من أصل مغربي، ولد في "القاهرة" عام 1180هـ -1766م-، وقيل بعد هذا التاريخ بعامين، وكان والده عطارًا.
يقول "د/ محمود حمدي زقزوق" عنه: "كان حاد الذكاء، شغوفًا بالعلم، فحفظ القرآن والتحق بالجامع الأزهر، وقد درس بجانب العلوم الأزهرية العلوم الهندسية والرياضية، والفلكية وتعمق في دراستها، واشتغل بالتطبيق العملي للمعارف التي تعلمها نظريًّا، فقد كان يرسم بيده المزاول النهارية والليلية، كما كان يتقن الرصد الفلكي بالاسطرلاب. وقد سجل هذا في مؤلفاته"(17).
"وعندما ابتليت البلاد بـ"الحملة الفرنسية" غادر "القاهرة" إلى "أسيوط"، ثم عاد إلى "القاهرة" إبان الاحتلال، واتصل بـ"علماء الحملة الفرنسية" وشاهد التجارب العلمية التي قاموا بها، ثم سافر إلى "مكة" للحج، ومنها إلى "فلسطين"، ثم رحل إلى "الشام"، وأقام بـ"دمشق" ثم سافر إلى "استانبول" و"ألبانيا". وكان يجيد التركية وله إلمام بالفرنسية، وكان يطلع دائمًا على الكتب المعربة، وكان له ولع شديد بسائر المعارف البشرية كما يقول عنه صديقه المؤرخ "الجبرتي"، وبعد أن تخلصت البلاد من الاحتلال الفرنسي عاد إلى "القاهرة" وقد عمد إليه "محمد علي باشا" بإنشاء جريدة "الوقائع العربية" –المصرية- والإشراف على تحريرها، وكان أديبًا وشاعرًا معدودًا في طليعة الأدباء والشعراء في عصره، وكان يحضر دروسه في الأزهر الكثير من العلماء والطلاب".
"ومن بين من كان يحضر مجالسه من المستشرقين المستشرق الإنجليزي المعروف "إدوارد وليم لين" -e .w . Jone-. وقد تولى الشيخ "حسن العطار" "مشيخة الأزهر" عام 1246هـ -1830م-، وظل في هذا المنصب حتى وفاته عام 1250 هـ -1834م-"(18).
ويقول "د. محمود حمدي زقزوق": "لـ"لشيخ العطار" مؤلفات عديدة تدل على سعة معارفه وعميق ثقافته، وقد شملت مؤلفاته علوم المنطق، والفلك، والطب، والكيمياء، والهندسة، والتاريخ والجغرافيا كما شملت الأدب، شعرًا ونثرًا، بالإضافة إلى أصول الفقه، وعلم الكلام، والنحو والبيان"(19)، وله "ثلاث مقالات طبية في الكي والفصد، ونبذة في علم الجراحة"(20).
ويقول "د. زقزوق": "ويعد "الشيخ حسن العطار" من الرواد الأوائل الذين اتجهوا نحو إصلاح التعليم في الأزهر، وقد وضع بذرة الإصلاح الثقافي في عهده لتتعهدها الأجيال بالرعاية من بعده حتى تؤتي ثمارها".(21)، وقال عنه أيضًا: "وقد دعا "الشيخ حسن العطار" إلى التجديد في مناهج التربية والتعليم، ونادى بإدخال العلوم الحديثة والعلوم المهجورة بالأزهر إلى مناهج الدراسة الأزهرية)(22)، "وكان يتناول الموضوعات القديمة بأسلوب جديد وعرض جذاب"(23).
ومما يذكر في هذا المقام العالم الهندي "التهانوي" الذي عاش في القرن الثاني عشر الهجري، الموافق للقرن الثامن عشر الميلادي، الذي ألف موسوعته القيمة الشاملة "كشاف اصطلاحات الفنون" في ستة مجلدات، والتي تدل على إحاطته الواسعة بشتى العلوم والفنون؛ حيث تضمنت اصطلاحات جميع العلوم في زمانه، وقد صدر هذه الموسوعة بمقدمة طويلة تزيد على خمسين صفحة في بيان العلوم المدونة وما يتعلق بها"(24).
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) (تاريخ جودت) للمؤرخ التركي أحمد جودت باشا، تعريبه عبد القادر أفندي الدَّنا. تحقيق د. عبد اللطيف بن محمد الحميد، ط. مؤسسة الرسالة. ط الأولى 1420هـ - 1999م بيروت - لبنان.
(2)، (3) المصدر السابق. ص:28.
(4) المصدر السابق. ص:29.
(5) المصدر السابق. ص:29.
(6) المصدر السابق. ص:29 بتصرف.
(7) المصدر السابق. ص:30.
(8) ط. دار الفكر للنشر والتوزيع. ترجمة محروس سليمان ومراجعة د. رءوف عباس.
(9) راجع (مصر العثمانية) تأليف: جورجي زيدان -كتاب الهلال-، العدد 517 رجب - يناير 1994م ص:284.
(10) (الجذور الإسلامية للرأسمالية: مصر 1760م - 1840م) ص:101.
(11)، (12)، (13) المصدر السابق. ص:102.
(14)، (15)، (16) (مصر العثمانية) جورجي زيدان. ص:284.
(17) (من أعلام الفكر الإسلامي الحديث) للدكتور/ محمود حمدي زقزوق. ط. المجلس الأعلى للشئون الإسلامية -وزارة الأوقاف- العدد (152) صفر 1429هـ - فبراير 2008م. ص:11.
(18) المصدر السابق: 11-12.
(19) المصدر السابق: 12-13.
(20)، (21)، (22)، (23) المصدر السابق. ص:14-16.
(24) راجع المصدر السابق. ص:5-8.
يتبع


عدل سابقا من قبل محيي الدين في الثلاثاء ديسمبر 01, 2009 7:04 pm عدل 1 مرات
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://nour-heart.ahlamontada.net
محيي الدين
المدير العام
المدير العام
محيي الدين


تاريخ التسجيل : 15/02/2009
المساهمات : 3811
العمر : 77
الموقع : مدينه المنصوره
العمل/الترفيه : بالمعاش

رؤية تصحيحية لمفاهيم حول الحملة الفرنسية على مصر Empty
مُساهمةموضوع: رد: رؤية تصحيحية لمفاهيم حول الحملة الفرنسية على مصر   رؤية تصحيحية لمفاهيم حول الحملة الفرنسية على مصر Icon_minitimeالثلاثاء ديسمبر 01, 2009 7:02 pm

فأسوأ ما جاءت به "الحملة الفرنسية على مصر" أنها مهدت للتغريب في "مصر" و"العالم العربي"، وقوَّت تيار الإصلاح -المزعوم- على طريقة الحضارة الغربية الحديثة، في مقابلة الدعوى إلى الإصلاح بالعودة إلى التمسك بدين الإسلام من جديد، وهي دعوة بدأت مظاهرها في النصف الثاني من القرن الثامن عشر الميلادي كما بينا من قبل.
قامت "الثورة الفرنسية" في عام 1789م تنادي بالعلمانية، وفصل الدين عن الدولة، والدعوة إلى القومية والوطنية، والمناداة بإطلاق الحريات، والمساواة والإخاء على الفهم الأوروبي المادي، وامتازت هذه الثورة بأنها ثورة دموية، أحدثت تغييراتها وثبتت مبادئها بالقتل وسفك الدماء، فقتلت عشرات الألوف من الفرنسيين، حتى أنها أتت على بعض من أبناء الثورة الفرنسية نفسها.
وجاء الفرنسيون إلى "مصر" مشبعين بمبادئ "الثورة الفرنسية"، ومتأثرين بما أحدثته وأوجدته في بلادهم، ويريدون نشره خارجها.
يقول الدكتور "السيد أحمد فرج" في كتابه "جذور العلمانية":
"إن أول ظهور للعلمانية في المنطقة العربية كان مع قدوم "حملة نابليون" على "مصر"، حيث كان الجنود من الفرنسيين قد تشبعوا بروح الثورة الفرنسية العلمانية الرافضة لكل ما هو ديني، ولهذا كتب "الجبرتي" يصف الفرنسيين بأنهم "لا يتدينون بدين ويقولون بالحرية والتسوية"، و"أنهم لا يتفقون على دين فكل واحد منهم ينحو دينـًا يخترعه بتحسين عقله"(1).
فهذا هو انطباع هذا المؤرخ المصري عن سلوك هؤلاء الفرنسيين خلال فترة الاحتلال فكذلك غيره من المصريين.
يقول دكتور "مصطفى عبد الغني" في كتابه "حقيقة الغرب بين الحملة الفرنسية والحملة الأمريكية" ص31:
"إن الغرب جاء إلينا في نهاية القرن الثامن عشر كمستعمر، أرسلت الثورة الفرنسية من يبحث لها عن أسواق جديدة ومستعمرات غنية، ومجدًا مهيبًا تواجه به ما ضاع أثناء صراعها مع الإنجليز"(2).
يقول "عبد الجواد يس" في كتابه "تطور الفكر السياسي في مصر خلال القرن التاسع عشر" ص5:
"لقد كانت هذه الحملة أول اتصال بين هذه الأمة ذات الجذور الإسلامية وبين الغرب وقد أصبح ذا حضارة، كما أن الفرنسيين كانوا على وعي بالتغريب كهدف وارد في قائمة الغايات المنشودة من حملتهم"(3). ويقول: "فقد حاول الفرنسيون استعداء المصريين على الأتراك المسلمين -وذلك في منشورات نابليون- عن طريق بعث الروح القومية الفرعونية والعربية مثيرين بذلك لأول مرة في مصر مفاهيم القومية العلمانية التي كانت قد برزت على سطح المجتمع الأوروبي بعد هزيمة الكنيسة في صراعها مع الملوك الزمنيين"(4).
ثم يقول بعدها في ص6:
"لقد كانت المرحلة اللاحقة على الحملة الفرنسية -مرحلة محمد علي وخلفائه- امتدادًا شبه طبيعي لها، استهدفت نفس أهدافها، وانتهت إلى ذات النتائج والتي كانت مرجوة لديها، ثم أسلمت مصر في نهاية المطاف لعناصر الغربيين الأصلاء ممثلين في الاحتلال العسكري البريطاني ولعناصر المتغربين العملاء".
ويقول في ص37:
"وأصبح المراد لمصر على لسان حكامها أن تكون قطعة من أوروبا كما قال الخديوي إسماعيل وهو ينقل مصر إلى قوانين فرنسا مستبدلاً أحكامها بالذي هو خير، وحتى ذلك الحين لم تكن الحقبة الاستعمارية في مصر قد بدأت إذ دخل الانجليز مصر في سنة 1882م".
لذا لم يكن غريبًا أن يسعى "محمد علي باشا" بعد تولي حكم مصر أن يتخلص من زعماء الأزهر وشيوخه بالنفي والإبعاد كما تخلص من أمراء المماليك بالقتل والاستئصال، ثم جعل نهضته مبنية على من بعث بهم في إرساليات وبعثات إلى أوروبا ليقودوا هم الأمة بفكر متأثر بالغرب العلماني بعيدًا عن تأثير الأزهر ورجاله.
لقد "كان للفرنسيين دور من هيأ التربة بدرجة ما لتستقبل البذور، التي كان أول من غرسها "محمد علي باشا"، حين خلص له حكم مصر نهائيا"(5). "وأما النتائج فقد شهدت نهايات القرن التاسع عشر أكثرها وأخطرها ممثلاً بصفة أساسية في سقوط الشريعة، وعلمنة الدولة، وبروز التيار القومي الوطني"(6).
وقد حمل الأوربيون عبر قرون الصراع مع المسلمين حقد دفينـًا على الإسلام وأهله، فلما تبنى الأوروبيون الفكر العلماني المادي المعادي للدين عامة، زاد حقدهم على الإسلام كدين، وما زال الغرب يرى في الإسلام والمسلمين العدو الذي لا تنتهي عداوتهم له.
يقول "الأستاذ شحاتة عيسى إبراهيم" في كتابه "القاهرة" ص268- 271:
"لم تصب مباني القاهرة ومساجدها في أي عهد بما أصيبت به على يد الفرنسيين من هدم وتخريب، هؤلاء القوم لم يراعوا لدور العبادة والمساجد حرمة أو كرامة رغم تظاهرهم باحترام الدين وشعائر الإسلام وقت غزوهم مصر، ولم يكن لهم هم سوى إخضاع المصريين لحكمهم بكل ما أوتوا من قوة وبطش؛ خصوصًا عندما تشتد بهم الأزمات"(7).
"لذلك حولوا المساجد ودور العبادة والقصور إلى حصون وقلاع يقذفون منها المصريين بالحمم والقذائف عند ثوراتهم في أثناء هجومهم على الأحياء الثائرة، بل إنهم حولوا المساجد الجامعة كالأزهر وجامع الظاهر إلى ثكنات تأوي إليها جنودهم وخيولهم غير آبهين لشعور المسلمين عامة، وشعور المصريين بصفة خاصة، ولقد وصف الجبرتي جامع الظاهر بعد أن حوله الفرنسيون إلى قلعة، فقال: وجعلوا جامع الظاهر بيبرس خارج الحسينية قلعة، ومنارته برجًا، ووضعوا على أسواره مدافع، وأسكنوا به جماعة من العسكر، وبنوا في داخله عدة مساكن تسكنها العسكر المقيمة به"(8).
ويقول: "ومن المساجد التي هدموها المساجد المجاورة لقنطرة إمبابة ومسجد المقس، المعروف الآن بجامع أولاد عنان، وجامع الكازروني بالروضة، والجامع المجاور لقنطرة الدكة غربي الأزبكية، وهكذا كان المصريون كلما قاموا بالثورة في وجوه الفرنسيين أمعن هؤلاء في هدم المساجد والدور، ونهبوا الحوانيت، واستولوا على كل ما تحتويه من بضائع ونفائس، ثم هدموا مساطبها، وقطعوا الأشجار من البساتين واستولوا على أخشابها ليستعملوها في بناء الاستحكامات والقلاع"(9).
"ومن العمارات التي هدموها جامع جانبلاط بباب النصر، ومباني رأس الصوة، بالميدان الموجود بين جامع السلطان حسن والقلعة، حيث باب العزب، وهدموا أعالي المدرسة النظامية، ومدرسة القانيبية، أو مسجد قانبياي، الموجود على رأس درب السماكين، وجامع الجركسي، وجامع خوند بركة، خارج باب البرقية، وهو بقرافة المجاورين، بقرب شارع السلطان أحمد، وكذلك أبنية القرافة ومدارسها ومساجدها، والقباب والمدافن الكائنة تحت القلعة، وجامع الرويحي، وقد جعلوه خمارة، وجزءًا من جامع عثمان كتخدا القزدوغلي، بالقرب من بركة رصيف الخشاب، وجامع خير بك حديد بدرب الحمام بالقرب من بركة الفيل وجامع البنهاوي والدخطوطي والعدوي، وجامع عبد الرحمن كتخدا المقابل لباب الفتوح، ولم يبق منه إلا بعض الجدران"(10).
حدث هذا وغيره كثير بينما يتشدق الكثيرون من مدعي الثقافة بما بشرت به الثورة الفرنسية من مبادئ، ويتغنون بما حملته من دعوة إلى المساواة والإخاء والحرية، ويتناسون أن هذه الشعارات البراقة لا يحملها معه هؤلاء الأوربيون ولا يطبقونها، مع ما في تطبيقها بفهمهم وهواهم من مؤاخذات إلا على أنفسهم، أما على الشعوب الأخرى فلا يعرفون إلا القتل وسفك الدماء واستباحة الأعراض، والإذلال والقهر والاستعباد، والاستيلاء على الخيرات والنزوات؛ إذ هم الجنس الأرفع وما سواهم عبيد لديهم، ودون منزلتهم ودرجتهم.
وقد جاءت الحملة الفرنسية إلى مصر في أعقاب الثورة الفرنسية بمبادئها المعلنة، فاحتلت مصر، فأذاقت شعبها مرارة القهر، وأخضعتهم بالقوة والقسوة لسلطانها، وصادرت حقهم في المقاومة للاحتلال، أو الدفاع عن أرواحهم وأعراضهم المستباحة، وما نراه اليوم من إذلال الشعوب المسلمة وقهرها في الشيشان، وكوسوفو، والبوسنة، وأفغانستان، والعراق، وغيرها إلا صورة مكررة مما قام به الفرنسيون في ظل حملتهم الجائرة على مصر أواخر القرن الثامن عشر الميلادي، خاصة في عهد كبيرهم "كليبر" الذي تولى قيادة الحملة بعد رحيل نابليون إلى فرنسا.
وكان العثمانيون بعد فتح مصر قد تركوا للمماليك القيام بأمرها والدفاع عنها في إطار السياسة التي وضعوها لحكم الولايات التابعة لهم؛ فلما انهزم المماليك أمام قوات نابليون أخذ المصريون في مناهضة الفرنسيين بأنفسهم، فكانت ثورة القاهرة الأولى دفاعًا عن الأرض والعرض، وذلك في أكتوبر 1798م، وكان الفرنسيين قد دخلوا الإسكندرية في يوليو 1798م، وقد أشعل حماسهم تحطيم الإنجليز للأسطول الفرنسي في معركة أبي قير البحرية.
فنصب نابليون مدافعه على جبل المقطم وأمطر أهل القاهرة بنيران مدافعه حتى قضى على مقاومتهم، فلما استتب له الأمر أذاق أهل القاهرة ألوان العذاب، ودخل الفرنسيون بخيولهم الجامع الأزهر إمعانـًا في إذلال المصريين.
ولما رحل نابليون إلى فرنسا لمواجهة تألب بعض الدول الأوروبية على بلاده، خلفه كليبر، وانتهز أهل القاهرة اشتباك كليبر مع القوات التركية في عين شمس فقاموا بثورتهم الثانية في مارس 1800م، رغبة في التخلص من الغزاة الفرنسيين، وأبلوا في قتالهم بلاءًا حسنا في حدود قدراتهم، وواجهوا الجنود الفرنسيين في قلاعهم الحصينة، ومعسكر قياداتهم بالأزبكية، فقتلوا من الفرنسيين عددًا كبيرًا رغم أن مدافع الفرنسيين كانت تحصدهم حصدًا، وقام الفرنسيون بقصف القاهرة بالمدافع خاصة الأحياء الثائرة.
ولما عاد كليبر من معركة عين شمس قام بتطويق القاهرة من كل جهاتها وأضرم فيها النيران في الأحياء المليئة بالسكان، فأحرق أحياء برمتها، وهدم بيوتها على من فيها.
يقول "الأستاذ شحاتة عيسى إبراهيم" في كتابه "القاهرة" ص266(11):
"ولم يصب حيًا من أحياء القاهرة بمثل ما أصاب حي بولاق فقد جلـَّت نكبته عن كل وصف، وارتكب فيه الفرنسيون من الفظائع والمنكرات ما يشيب من هوله الولدان، ولا يرتكبه سوى البرابرة المتوحشين الأنذال"(12).
وقد نقل عن "الجبرتي" وصفه لما نزل بأهل القاهرة من أهوال ومصائب فقال:
"واستمر الحال على ما هو عليه من اشتعال نيران الحرب، وشدة البلاء والكرب، ووقوع القنابل على الدور والمساكن من القلاع، والهدم والحرق، وصراخ النساء من البيوت، والصغار من الخوف والجزع والهلع، مع القحط وفقد المآكل والمشارب، وغلق الحوانيت والطوابين والمخابز، ووقوف حال الناس من البيع والشراء، وتفليس الناس وعدم وجدان ما ينفقونه إذا وجدوا شيئًا، واستمر ضرب المدافع والقناير، والبنادق، والنيران ليلاً ونهارًا حتى كان الناس لا يهنأ لهم نوم ولا راحة ولا جلوس لحظة واحدة من الزمن، ومقامهم دائمًا أبدًا بالأزقة والأسواق وكأن على رؤوس الجميع الطير، وأما النساء والصبيان فمقامهم بأسفل الحواصل والعقودات تحت طباق الأبنية إلى غير ذلك"(13).
أما عن أهل حي بولاق فيقول "الجبرتي":
"هجموا على بولاق من ناحية البحر -النيل-، ومن ناحية بوابة أبي العلاء، وقاتل أهل بولاق جهدهم ورموا بأنفسهم في النيران، حتى غلب الفرنسيون عليهم وحصروهم من كل جهة، وقتلوا منهم بالحرق والقتل، وبلوا بالنهب والسلب، وملكوا بولاق، وفعلوا بأهلها ما تشيب من هوله النواصي، وصارت القتلى مطروحة في الطرقات والأزقة، واحترقت الأبنية والدور والقصور، وخصوصًا البيوت والرباع المطلة على البحر، وكذلك الأطارف، وهرب كثير من الناس عندما أيقنوا بالغلبة، فنجوا بأنفسهم إلى الجهة القبلية، ثم أحاط الفرنسيس بالبلد، ومنعوا من يخرج منها، واستولوا على الخانات، والوكائل، والحواصل، والودائع، والبضائع، وملكوا الدور وما بها من الأمتعة والأموال، والنساء والخوندات، والصبيان والبنات، ومخازن الغلال والسكر، والكتان والقطن والأبازير والأرز، والأدهان والأصناف العطرية، وما لا تسعه السطور، ولا يحيط به كتاب ولا منشور"(14).
وفاوض العلماء كليبر في الصلح حقنـًا للدماء، فتم الاتفاق بعد قتال دام شهرًا كاملاً، وفرض كليبر على سكان القاهرة غرامة مالية قدرها اثنا عشر مليونـًا فرنك نصفها نقدًا ونصفها عروضًا، وتسليم عشرين ألف بندقية، وعشرة آلاف سيف، وعشرين ألف طبنجة، وبالغ الفرنسيس في التعسف في تحصيل تلك الغرامة.
وقد ارتفعت الروح المعنوية للجنود الفرنسيين بالقضاء على ثورة القاهرة، وإخضاع أهلها وقهرهم، ومن قبل انتصارهم على الأتراك في معركة عين شمس، وفي غمرة ما هم فيه باغتهم "سليمان الحلبي" -رحمه الله- بقتل طاغيتهم "كليبر" انتقامًا لما اقترفه في حق المصريين.
و"سليمان الحلبي" -رحمه الله- طالب علم من "سوريا"، جاء إلى "مصر" ليدرس في "الجامع الأزهر"، وساءه ما يراه من الفرنسيين، وهاله ما تعرض له أهل القاهرة على يد "كليبر" الطاغية وجنوده، فعزم على قتله، وبيـَّت النية على ذلك، وفي يوم 14 يونيو 1800م تسلل إليه وقد أخفى سلاحه وباغته بطعنة من خنجره أردته قتيلاً، فقبض عليه وقدم للمحاكمة.
والبعض يثني على محاكمة الفرنسيين لسليمان الحلبي وأنهم لم يؤاخذوه على فعله بدون محاكمة توجه إليه التهمة وتسمع أقواله كما كان يقع في تلك الأزمان! وفاتهم أنها محاكمة صورية ظاهرها طلب العدالة مع المتهم وباطنها الظلم البين؛ فالقضاة هم الخصوم، وقد صادروا حق الحلبي في الدفاع عن أرضه وأهله، واعتبروا المجرم السفاح مجني عليه، مظلوم يـُقتص له، وجاء حكمهم فيه يدل على الرغبة في التشفي منه؛ إذ اختاروا له عقوبة ليست من عقوباتهم المعتادة، فحكموا بحرق يده التي قتل بها كليبر وهو حي، ثم قتله على الخازوق وتركه جثته طعامًا للطيور الجارحة.
يقول "الجبرتي":
"وأفتوا أن سليمان الحلبي تحرق يده اليمنى، وبعده يتخوزق ويبقى على الخازوق لحين تأكل رمته الطيور"(15).
يقول دكتور "مصطفى عبد الغني" في كتابه: "حقيقة الغرب بين الحملة الفرنسية والحملة الأمريكية" ط. القراءة للجميع ص12:
"وفي الساحة التي تم فيها حرق يده وتثبيته في الخازوق وقف ضابط فرنسي كان شاهد عيان على ما حدث، وقال بالحرف الواحد، مما هو مسجل في الوثائق الفرنسية عن سليمان الحلبي: بُطح أرضًا وشُق شرجه وأدخل فيه الخازوق وربطوا ساقيه وفخذيه ويديه وجسمه... ودفع الخازوق... وهو ثابت"(16).
وجاء في جريدة الحملة الفرنسية في مصر العدد 71:
"لقد اختارت اللجنة بالإجماع نوعًا من العذاب يستخدم في البلاد بالنسبة للمجرمين الكبار، ويناسب فداحة الجرم، ولهذا فقد حكمت على سليمان الحلبي بأن يحرق معصم يده اليمنى، ثم يغرس في مؤخرته وتد ليخترق أمعاءه، ثم يترك وحيدًا وبه الوتد إلى أن تأتي الغربان والطيور الجارحة لتنهش جسده"(17).
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) راجع (جذور العلمانية)، د. السيد أحمد فرج.
(2) "حقيقة الغرب بين الحملة الفرنسية والحملة الأمريكية" د. مصطفى عبد الغني. ط. مكتبة الأسرة الهيئة المصرية العامة للكتاب: ص31.
(3) "تطور الفكر السياسي في مصر خلال القرن التاسع عشر: بحث في بدايات التوجه الغربي"، عبد الجواد يس -قاضي سابق-. ط. المختار الإسلامي حماه.
(4) المصدر السابق وانظر: الرافعي "تاريخ الحركة القومية" ج1 دار المعارف: ص29.
(5) المصدر السابق ص37.
(6) المصدر السابق ص37.
(7) "القاهرة": شحاتة عيسى إبراهيم. ط. القراءة للجميع الهيئة المصرية العامة للكتاب.
(8) المصدر السابق: ص269.
(9) المصدر السابق: ص270.
(10) المصدر السابق: ص 270- 271.
(11) ط. القراءة للجميع. الهيئة المصرية للكتاب.
(12) المصدر السابق: ص266.
(13) المصدر السابق: ص265- 266.
(14) المصدر السابق: ص266.
(15) "حقيقة الغرب بين الحملة الفرنسية والحملة الأمريكية" د. مصطفى عبد الغني. ط. القراءة للجميع، الهيئة المصرية العامة للكتاب: ص33.
(16) المصدر السابق: ص12.
(17) المصدر السابق: ص32.


يتبع
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://nour-heart.ahlamontada.net
محيي الدين
المدير العام
المدير العام
محيي الدين


تاريخ التسجيل : 15/02/2009
المساهمات : 3811
العمر : 77
الموقع : مدينه المنصوره
العمل/الترفيه : بالمعاش

رؤية تصحيحية لمفاهيم حول الحملة الفرنسية على مصر Empty
مُساهمةموضوع: رد: رؤية تصحيحية لمفاهيم حول الحملة الفرنسية على مصر   رؤية تصحيحية لمفاهيم حول الحملة الفرنسية على مصر Icon_minitimeالثلاثاء ديسمبر 01, 2009 7:10 pm

فلم تكن الحملة الفرنسية على مصر -رغم تأثرها بشعارات الثورة الفرنسية- من أجل الأخذ بيد المصريين إلى العلم والتقدم والرقي كما يزعم المستغربون، ولكنها كانت حلقة من حلقات الاستعمار الأوروبي لشعوب الشرق؛ لإخضاعها وإذلالها، والاستيلاء على ثرواتها ونهب خيراتها، إنها حملة "توسع استعماري جديد يعوض فرنسا ما فقدته من مستعمرات في أمريكا الشمالية والهند من ناحية، وللإضرار بالمصالح البريطانية من ناحية ثانية، إذ أرادت أن تجعل من مصر قاعدة لتهديد بريطانيا في الهند وتحويل التجارة الشرقية إلى طريق مصر"(1).
لقد جاء نابليون إلى مصر ليعيث فيها علوًا وفسادًا، مبدأه: "الغاية تبرر الوسيلة"، وغايته: إقامة إمبراطورية، وصنع المجد العظيم لنفسه وبلده ولو بالخداع والنفاق، ولو بالقتل وسفك الدماء، وهتك الأعراض.
فأين هذا من المناداة بالتقدم والتحضر والرقي، والمساواة والإخاء التي يتغنون بها، وهم يرون أنهم الجنس الأعلى دون غيرهم؟!
"ومراجعة الحقبة التي سبقت هبوط نابليون بحملته على الإسكندرية في 2 يوليو 1798م ترينا أن عددًا كبيرًا من الكُتـَّاب، والرحالة، والقناصلة، والسياسيين، منهم: "سانت بريست، وجان بابتيست، ومورودي توت، وسفاري، وفولني... الخ"، كتبوا إلى حكومتهم الفرنسية لاستعمار مصر صراحة، فقد ظل هؤلاء وهم يشيرون إلى ضياع عديد من المستعمرات الفرنسية في جزر الهند الغربية، ويلحون كثيرًا على أن مصر، ومصر بوجه خاص، هي الميدان الذي تستطيع فرنسا أن تجد فيه حاجاتها التي كانت تستمدها من جزر الانتيل"(2)، إذ أن احتلال مصر "تجعل التجارة بين فرنسا وبقية أقطار الشرق في متناول اليد بدلاً من المشكلات التي تعانيها فرنسا في غيبة وضع يدها على هذه البلاد، بل أكد بريست صراحة -وهو سفير فرنسا في القسطنطينية- على أن الاستيلاء على مصر أمر لا مفر منه لخدمة المصالح الفرنسية"(3).
"إن الغرب جاء إلينا في نهاية القرن الثامن عشر كمستعمر، أرسلت الثورة الفرنسية -عصر التنوير- من يبحث لها عن أسواق جديدة، ومستعمرات غنية، ومجدًا مهيبًا تواجه به ما ضاع أثناء صراعها مع الإنجليز"(4)، "وتعتبر هذه المحاولة أول غزو عسكري أوروبي في التاريخ الحديث لبلد عربي إسلامي من بلاد الدولة العثمانية، ولكن هذا الغزو سبقته سيطرة الدول الاستعمارية الكبرى: بريطانيا، وفرنسا، وهولندا على دول وإمارات إسلامية في أواسط آسيا، وجزر الهند الشرقية، والهند، غير أن هذه السيطرة المبكرة لم تمس قلب العروبة كما فعلت حملة الجنرال بونابرت على مصر"(5).
"إن الحملة الفرنسية ليست أكثر من حملة صليبية ثامنة "سبقتها الحملات الصليبية المعروفة في القرنين الحادي عشر والثاني عشر"(6)، وقبل قدوم الحملة الفرنسية إلى مصر تقدم الوزير "تاليران" لحكومة الإدارة الفرنسية بمشروع غزو مصر بعبارة لا تخلو من معنى: "كانت مصر مقاطعة في الجمهورية الرومانية فيجب أن تصبح للجمهورية الفرنسية"(7).
لقد جاءت الحملة الفرنسية بعلمائها ومطبعتها إلى جانب جنودها وضباطها ليتسنى لها أن تدرس مصر وشعبها دراسة تخدم وجودها وبقائها في مصر، وتكوين إمبراطورية لها بها، فهي امتداد لجهود المستشرقين الفرنسيين والأوروبيين في بلادنا، وكانت المطبعة من أجل إصدار المنشورات والبيانات الموجهة للمصريين بحسب ما تقتضيه أحوال الحملة، ولهذا كان في أوائل منشورات نابليون التي ينافق فيها المصريين لخدعهم: "بسم الله الرحمن الرحيم، لا إله إلا الله، لا ولد له، ولا شريك له في ملكه"(8)، ثم يقول: "يا أيها المصريون قد قيل لكم أنني ما نزلت بهذا الطرف إلا بقصد إزالة دينكم فذلك كذب صريح لا تصدقوه، وقولوا للمغتربين إنني ما قدمت إليكم إلا لأخلص حقكم من يد الظالمين، وإنني أكثر من المماليك أعبد الله -سبحانه وتعالى-، وأحترم نبيه، والقرآن الكريم"(9)، ويقول في كذب وغش: "قولوا لأمتكم إن الفرنساوية هم أيضًا مسلمون مخلصون"، وفي النص الفرنسي: "محبون للمسلمين المخلصين"(10).
وعن طريق المطبعة كانت مخاطبات قواد الحملة للشعب المصري بما يريدونه منهم أو يهددونهم به.
ولقد كتب علماء الحملة الفرنسية كتابهم "وصف مصر"، "ومراجعة كتاب وصف مصر يرينا أنه كان في الأصل دراسات وتقارير، ومذكرات وأوراق؛ كان الهدف من كتابتها أول مرة الإفادة من المعلومات التي تقدم من أجل استقرار الفرنسيين في مصر"، "والكتاب نفسه يصف القاهرة في السنوات الثلاثة التي قضتها الحملة في مصر"، ويشير المهندس الفرنسي "جومار"(11)، إلى هذا الغرض في مقدمته في جزء الدولة الحديثة من هذا الكتاب، "ومهما يكن من الجهد الذي قام به جومار من وصف طبوغرافي وخريطة تفصيلية... وما إلى ذلك؛ فإن الهدف الرئيسي يظل التعرف أكثر على القاهرة ليستطيع الفرنسيون السيطرة عليها"(12).
أما نابليون فبعد فشل حملته وعودته إلى فرنسا، ورغم كل ما اقترفه من قتل وسفك دماء، وتدمير وإذلال لشعب مصر، لم يمنعه أي حياء أن يطلب من المقربين من فناني فرنسا أن يرسموا له لوحات تعبر زورًا وبهتانـًا -عن أمجاده ودوره الحضاري في معاملة شعب مصر- وتصوير خضوعهم له وانقيادهم له، "مما أدى إلى تصوير حملته الشرقية على أنها أسطورة انتصار وفخار في الفن التشكيلي الفرنسي"(13)، مع "أن اللوحات التي رسمت عن بونابرت في مصر كانت لفنانين لم يأتوا إلى مصر"(14)!
فـ"لوحة بونابرت يزور مرضى الطاعون في يافا" رسمت عام 1804م، لتنفي وحشية بونابرت والمجازر التي ارتكبها في غزوه للشام، وفي لوحة أخرى عن ثورة القاهرة الأولى نجد الفرنسيين المحاربين في لبسهم، ووسامتهم، وبشجاعة يقاتلون المصريين الذين بدوا في صورة وحوش معتدين، وكأنهم من عرايا الزنوج!
وفي لوحة "بونابرت في الجامع الكبير" ويقصد به الجامع الأزهر، و"بونابرت ينزل -كما نرى في اللوحة- من أعلى اللوحة"(15)، "على جواده الأبيض ومن تحته درجات لم نعرفها في يوم ما في الأزهر، وكأن بونابرت هنا ملاك يجلب النور إلى ظلمات المسجد، وكأن المهزومين يسجدون له في ظلمات المسجد من تحته، في حين نجد امرأة عارية في الجامع تتوسل إلى السماء"(16).
"إن اللوحة تبدو في شكل نوراني، توحي بأن الحضارة الفرنسية التي جاءت مع نابليون هي التي تعمد إلى تأكيدها داخل الجامع القديم"(17)، "في حين التاريخ يذكر لنا أن الفرنسيين الغازين هم الذين دخلوا الأزهر بجيادهم، وأن بونابرت لم تطأ قدماه يومًا أي جامع"(18).
أما لوحة "بونابرت يمنح سيفـًا لحاكم الإسكندرية العسكري" فتمثل الفرنسيين في شموخ و"هذا الفارس الفرنسي المتحضر الذي يمنح هذا الكرم لرجل أدنى بكثير منه"(19)، و"المدقق في هذه اللوحة -كما لاحظ عدد من نقاد الفن- يرى أن المشهد العام في كنيسة وليس في جامع"(20)، "فضلاً عن أن التاريخ يذكر أيضًا أن نابليون لم يقدم يومًا على أن ينصب حاكمًا عسكريًا مصريًا لمثل هذا المنصب"(21)، لكنها "خيالات جاء بها فنان لم يزور مصر في حياته، وكان هدفه الأول هو تأكيد أسطورة الإمبراطور"(22).
وأما أبلغ الزيف في هذه اللوحة التي يظهر فيها "بونابرت وهو يهدي وشاح الجمهورية ذا الألوان الثلاثة لأحد بكوات مصر"، حيث "نجد نابليون يضع باعتزاز وشاح الثورة الفرنسية على صدر الشيخ، في حين الشيخ يُبدي ارتياحًا يبلغ درجة السيادة الكاملة في حين لا يخفى عليه الإحساس بمشاعر الجندي المهزوم"(23)؛ حيث "يقف بإذلال شديد وهو يتلقى هذه الهدية الثمينة التي تعني الطواعية الكاملة، والخضوع الكامل لبونابرت -ممثل الثورة الفرنسية- وهو الزيف بعينه، وببساطة -كما تزيف اللوحة- فإن الشيخ يعترف بجميل المحتل عليه وعلى مصر كلها"(24).
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) "عمر مكرم: بطل المقاومة الشعبية"، د. عبد العزيز محمد الشناوي سلسلة أعلام العرب رقم 67- يوليو 1967م: ص34.
(2) "حقيقة الغرب بين الحملة الفرنسية والحملة الأمريكية": د. مصطفى عبد الغني - القراءة للجميع ط 2001م: ص 22- 23.
(3) المصدر السابق: ص23.
(4) "حقيقة الغرب": ص31.
(5) عمر مكرم: "بطل المقاومة الشعبية": ص34.
(6) "حقيقة الغرب": ص33- 34.
(7) المصدر السابق: ص64، ص97.
(8)، (9)، (10): "تطور الفكر السياسي في مصر خلال القرن التاسع عشر: بحث في بدايات التوجه الغربي": عبد الجواد يس ط المختار الإسلامي: ص46.
(11) جومار هو مهندس وجغرافي وأثري فرنسي حضر مع الحملة الفرنسية وشارك في كتابة كتاب "وصف مصر".
(12) "حقيقة الغرب": ص108.
(13) "حقيقة الغرب": ص132.
(14) المصدر السابق: ص136.
(15) المصدر السابق: ص137.
(16) "حقيقة الغرب": ص137.
(17)، (18): المصدر السابق: ص137.
(19)، (20)، (21)، (22): (المصدر السابق): ص138.
(23) حقيقة الغرب: ص139.
(24) المصدر السابق: ص139.

يتبع
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://nour-heart.ahlamontada.net
محيي الدين
المدير العام
المدير العام
محيي الدين


تاريخ التسجيل : 15/02/2009
المساهمات : 3811
العمر : 77
الموقع : مدينه المنصوره
العمل/الترفيه : بالمعاش

رؤية تصحيحية لمفاهيم حول الحملة الفرنسية على مصر Empty
مُساهمةموضوع: رد: رؤية تصحيحية لمفاهيم حول الحملة الفرنسية على مصر   رؤية تصحيحية لمفاهيم حول الحملة الفرنسية على مصر Icon_minitimeالثلاثاء ديسمبر 01, 2009 7:12 pm

فيزعم العلمانيون أن مصر كانت في سبات عميق، وجهل وتخلف، وتأخر كبير قبل مجيء الحملة الفرنسية إلى مصر، وأن هذه الحملة هي التي أيقظت مصر من سباتها، وحرَّكـَتها ودفعتها؛ لتبدأ في الأخذ بأسباب العلم والتقدم والتحضر، فهل هذا التصور هو الحقيقة أم أنه ما يريد أن نظنه هؤلاء العلمانيون حتى نرى في العدوان العسكري الفرنسي الفضل علينا، ونتغاضى عن الشناعات التي ارتكبها نابليون وقواده وجنوده والتي لا يقترفها إلا من عدم العلم والمعرفة والتحضر والقيم، ولا يتغاضى عنها إلا من طـُمس على عقله وأراد من المجني عليه أن يثني على المجرم الجاني، ويطلب من الضحية أن تشكر من يجزرها ويذبحها بيديه؟!
ولننظر بموضوعية لبعض الجوانب عن مصر قبل مجيء الحملة الفرنسية إليها:
ففي الوقت الذي كان الرحالة الفرنسيون يستحثون حكومتهم على غزو مصر، ويهونون من شأنها لإدارتهم لأغراض استعمارية كان هناك رحالة آخرون زاروا مصر وكتبوا عنها، وعما وجدوه فيها بصورة محايدة؛ فمن هؤلاء الرحالة الألماني "كارستن نيبور"، وهو رحالة شهير، عرف بالنزاهة، وبعده عن الأغراض الاستعمارية على العكس من الرحالة الفرنسيين(1).
قـَدِمَ الرحالة الألماني "نيبور" قبل مجيء الحملة الفرنسية بربع قرن(2)، فـ "لم يجد مجتمعًا نائمًا، بل وجد مجتمعًا منعمًا بالحياة والحيوية"(3).
فيقول نيبور عن الزارعة في مصر: "إن الآلات التي تستخدم في ري الأرض بعد انحسار الفيضان هي أجدر الآلات المصرية بالملاحظة والإعجاب، وللمصريين وسائل مختلفة لري الأرض، وإن الحدائق المصرية تمتلئ بكثير من القنوات تـُمكِّن الزارع من ريـِّها جزءًا بعد جزء، وقد نـُظِمت القنوات بين مزروعات الحدائق تنظيمًا فنيًا جميلاً بحيث يبدو تخطيط الحديقة على هيئة مسالك متشابكة يتنزه بين جنباتها الناس، كما جاء عن صناعة النشادر، وربما كان من الممكن صناعة النشادر في أوروبا بالطريقة الجيدة الرخيصة المعروفة في مصر".
كما يبدي نيبور انبهاره بمصانع التفريخ بوصفها اختراعًا مصريًا، وعن الاستيراد والتصدير جاء أن الجلد الخام يعتبر من أهم البضائع التي تصدرها مصر، وتقدَّر كمية المُصدَّر منه سنويًا بـ "70" أو "80" ألف قطعة، تصل إلى مرسيليا منها 10.000 قطعة من جلود الجاموس الجيدة، تستورد إيطاليا كمية أكبر بكثير.
أما "الزعفران والتبل والقطن"(4)، فيقول عن ذلك "فيتراوح مقدار ما يجنونه عادة من هذه الزهرة -الزعفران- ما يزن "5" أو "18" ألف قنطار يذهب أغلبه أو أفضله إلى مرسيليا وليفورنيو. وتجارة التبل في مصر تجارة عظيمة جدًا، ويجري تصديره من مصر إلى بلاد البربر، ومرسيليا، وليفورنيو، وتركيا، وسوريا، واليمن، ومنه أنواع مختلفة. ويصدر أكثر القطن الذي لا تستهلكه البلاد إلى مرسيليا وليفورنيو".
وحين يصل إلى تجارة "الترانزيت" يؤكد أنه تأتي كل عام في شهور إبريل ويونيو عدة قوافل من إفريقيا محملة بثلاثة أنواع من الصمغ، وبسن الفيل، والتمر الهندي، والببغاوات، وتراب الذهب، وتعود القوافل محملة بالخرز، والمرجان، والكهرمان، والسيوف، ومختلف الثياب التي يعدها المصريون مناسبة لذوق هؤلاء الأفارقة، أما عن ثياب النساء فإنه لابد للإنسان من أن يعترف بأن ثياب الشرقيات أفخر بكثير من ثياب الأوروبيات"(5).
وتوضح د. نيللي حنا في كتابها "تجارة القاهرة في العصر العثماني": "إن ظاهرة البيوت التجارية العائلية المشتغلة بالتجارة الدولية كانت معروفة تمامًا"(6)، و"يتنقلون في شبكات تجارية امتدت إلى آسيا وسواحل البحر الأحمر فإفريقيا مما يشير إلى عظم التأثير التجاري الذي كان يمكن أن يمثل امتداده الطبيعي تطورًا إيجابيًا"(7).
و"كانت تصدر نسبة كبيرة من البضائع التي يجلبها من الهند إلى بعض مواني الدولة العثمانية وأوروبا عن طريق الإسكندرية ورشيد ودمياط"(8). "بل تشير الوثائق أنه كان للتجار الشرقيين جاليات بالبندقية، وفيرارة، وانكونا، وبيزا، ونابلي بما يعني أن المجال الجغرافي كان متسعًا"(9).
كما "أن التجار كانوا يتجهون إلى تسجيل معاملاتهم كتابة وتوثيقها بالمحاكم، وبوجه عام فإن النظام التجاري كان يتسم بالضخامة والتوسع، والمرونة إلى حد بعيد"(10)، "ولقد كانت مصر تمضي في تطورها الطبيعي بعيدًا عن رأسمالية الغرب المتربصة"(11)، و"بعيدًا عن المد الغربي الصاعد"(12)، "لقد كان بوسع مصر أن تصنع نهضة تقوم على الهوية والوعي بالذات في الإطار العام لولا أن جاءت الحملة الفرنسية فسعت إلى إجهاض هذه النهضة"(13).
"ويلاحظ أن زراعة السكر للتوريد وصلت إلى درجة بعيدة، ثم امتداد تلك الظاهرة إلى القطن والكتان، كذلك كانت المنسوجات المصرية تـُصدَّر بكميات كبير إلى الأناضول وأوروبا. وحتى منتصف القرن الثامن عشر كانت مصر تصدر كميات كبيرة من التبل إلى فرنسا حيث كانت توزع هناك في البلاد الأوروبية الأخرى"(14).
ولقد برهن على هذا التطور التجاري بيتر جران في كتابه عن الجذور الإسلامية للرأسمالية في مصر في تلك الفترة، ومكسيم رودنسون في كتابه عن الإسلام والرأسمالية(15).
أما التعليم: فإن "أهم صور التعليم كانت الكتاتيب التي كانت منتشرة بشكل واسع قبل قدوم الحملة الفرنسية إلى مصر، وهو ما يجعل هذه المناطق للتعليم متاحة لأكبر عدد من الأولاد الصغار حيث كانوا يقصدونها لتعليم القراءة والكتابة والحساب"(16).
ويذكر الجبرتي -رحمه الله- في تاريخه: "إنه كانت هناك مدرسة في علم الفلك وعلى رأسها "رضوان أفندي" الفلكي "171م"، وقد أخذ على يديه أغلب المشتغلين بالفلك في مصر في القرن الثامن عشر".
ودارس هذه الفترة يلاحظ تقدمًا فائقـًا في علم الفلك بوجه خاص، حتى تشير المصادر إلى أن الفلكيين المصريين كانوا بارعين في عملهم، وأنهم استخدموا آلات جديدة استطاعوا أن يطوعوها لعملهم ويضيفوا إليها. وقد بلغ تقدم الفلك في مصر في نهاية القرن الثامن عشر إلى درجة أن أحدًا لا يستطيع أن يقلل منها. وتزخر تراجم هذه الفترة ومؤلفاتها بعشرات العلماء في هذا العلم وتفوقهم فيه.
و"يذكر الجبرتي عددًا كبيرًا من العلماء الذين ألفوا في علوم الرياضيات، والكيمياء، والطب، والمساحة، وعلم يبحث في خواص الأعداد يسمى "لارتماطيقي"، بل عرف علم الهندسة وشواهده الكثيرة في العمائر الشامخة الراقية فضلاً عن علم الفرائض "المواريث"، وهو يحتاج إلى معرفة واسعة بالرياضيات والفرائض"(17).
"وإذا توقفنا عند علم الرياضيات تحديدًا سنعرف أنه وجد في مصر في نهاية القرن الثامن عشر عدد كبير من العلماء الذين ألفوا في هذا العلم"(18)، كما كان "هناك عدد من الطبقات الأرستقراطية عرفوا باهتماماتهم بالرياضة والفلك، ورسم عدة مزاول بالجامع الأزهر"(19).
"وليس من المصادفة في شيء أن يكون الشيخ "حسن العطار" -وكان شيخ مشايخ الأزهر- أكثر علماء عصره تعرفـًا على العلوم العقلية، والحثّ عليها، كثير الأخذ عن علماء عصره من المجددين، كثير الرحلات إلى حيث وجودها، كثير تدريس العلوم العقلية في الأزهر، حاثـًا تلاميذه على ضرورة الأخذ بالعلوم العقلية، كثير التقرب من الفرنسيين إبان وجودهم في مصر والدخول إلى معاملهم، والتعرف على علومهم الحديثة، كما زار المجمع العلمي الفرنسي"(20).
وفي كتاب "وصف مصر" يذكر الباحث الفرنسي "جومار" في بابه عن المساجد أن الجامع الأزهر من بين أقدم الجوامع، وموارده ضخمة جدًا يصرف منها على تزويد مكتبة وتمويل مؤسسة أشبه بالجامعة(21).
"ويسهب جومار في الأعداد الهائلة التي كانت تتعلم بالأزهر حتى تصل إلى اثني عشر ألفـًا -كما يشير- يُطعِمون أكثرهم فيه ويوفر لهم السكن وما إلى ذلك"(22).
"ويُؤمَّه عدد لا يحصى -كما يقول في موضع آخر- من الجنسيات المختلفة، والذين يأتون لتلقي العلم في القاهرة"(23)، "كما يشغل الجامع في هذه الفترة رواقـًا مستقلاً للعميان"(24)، "وحين يجيء دور الكتاتيب فإنه كان لا يملك غير الثناء على هذه الدور التي تـُمنح الأموال من الأوقاف، والمفاهيم التي كانت تلقن في هذه الكتاتيب رغم بساطتها -في تعبيره-؛ فإنها لم تكن تكتفي بالقراءة والكتابة والحساب؛ وإنما -كانت في تقديره- لم تكن غير مدخل إلى التعليم الجامعي أي الذي يُعطى في الجامع الأزهر ومدارس أخرى"(25).
وبعد أن يعرض جومار "لشكل المبالغ المخصصة للأعمال الخيرية وكيفية تنظيمها ببراعة ودقة من المصريين، يعترف في السطر التالي مباشرة قائلاً: "كانت لدينا في أوروبا معلومات خاطئة عن مؤسسات الإحسان عند المشارقة، وعن الإهمال المطلق لحكامهم فيما يخص الإعانات العامة"(26).
ويذكر: "أنه إذا كانت توجد في هذه البلاد ملاجئ مثل هذه الملاجئ التي تعرفها المؤسسات الغربية فإنه كان في مصر وسوريا ملاجئ للعميان من زمن بعيد"(27).
ويصف جومار ذلك بقوله: "وهكذا فقد أعطى لنا المشارقة المثال الأول"(28).
ولما رأى جومار الكم الكبير من الأسبلة -جمع سبيل- وهي من أعمال الخير قال في تعجب ودهشة: "لا توجد مدينة أوروبية تحوي هذا القدر من الأسبلة"(29).
ولما رأى العديد من الأديرة والكنائس بمصر كتب يقول: "وهذه أيضًا نقطة لدينا عنها في أوروبا أفكار غير مطابقة للحقيقة"(30).
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) راجع "حقيقة الغرب: بين الحملة الفرنسية والحملة الأمريكية". د/ مصطفى عبد الغني - مكتبة الأسرة - الهيئة المصرية العامة للكتاب: ص88.
(2) المصدر السابق: ص88.
(3) المصدر السابق: ص88.
(4) المصدر السابق: ص88-89.
(5) المصدر السابق: ص89-90.
(6) المصدر السابق: ص43.
(7) المصدر السابق: ص43-44.
(8) المصدر السابق: ص44.
(9) المصدر السباق: ص44.
(10) المصدر السابق: ص44-45.
(11، 12) نفس المصدر: ص45.
(13) المصدر السابق: ص47.
(14) المصدر السابق: ص45.
(15) المصدر السابق: ص41-42.
(16) المصدر السابق: ص43.
(17) المصدر السابق: ص51-52.
(18) المصدر السابق: ص52.
(19) المصدر السابق: ص52-53.
(20) المصدر السابق: ص53.
(21) المصدر السابق: ص110.
(22، 23، 24) المصدر السابق: ص110.
(25) المصدر السابق: ص110-111.
(26) المصدر السابق: ص 117.
(27، 28، 29) المصدر السابق: ص117.
(30) المصدر السابق: ص118.

يتبع
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://nour-heart.ahlamontada.net
محيي الدين
المدير العام
المدير العام
محيي الدين


تاريخ التسجيل : 15/02/2009
المساهمات : 3811
العمر : 77
الموقع : مدينه المنصوره
العمل/الترفيه : بالمعاش

رؤية تصحيحية لمفاهيم حول الحملة الفرنسية على مصر Empty
مُساهمةموضوع: رد: رؤية تصحيحية لمفاهيم حول الحملة الفرنسية على مصر   رؤية تصحيحية لمفاهيم حول الحملة الفرنسية على مصر Icon_minitimeالثلاثاء ديسمبر 01, 2009 7:15 pm

فمما يلاحظه من يدرس فترة الحملة الفرنسية على مصر وما بعدها التغير الواضح في دور المقاومة الشعبية إبان الحملة الفرنسية منذ دخولها مصر حتى خروجها منها، ودور المقاومة الشعبية خلال الاحتلال الانجليزي لمصر عام 1882م وما بعدها.
لقد تولى علماء الأزهر ورجاله زعامة المقاومة الشعبية خلال الحملة الفرنسية وتجاوب معها الشعب بطوائفه، وكانت المقاومة الشعبية للحملة قوية وشديدة رغم ضخامة الخسائر وكثرة الضحايا خاصة خلال الثورتين الأولى والثانية بالقاهرة، وكانت المقاومة تنبع من رؤية إسلامية، ترفض الخضوع للاحتلال الفرنسي؛ لأن الفرنسيين كفار يريدون الاستيلاء على أرض مصر المسلمة، ويقتطعونها من الدولة العثمانية، ويخرجونها من سلطان الدولة العثمانية.
لقد كان الجميع من حكام ومحكومين يرفض الفرنسيين، ولكن الحكام عجزوا عن قتال الفرنسيين فناب عنهم الشعب بزعامة علماء الأزهر ورجاله، ولا يعارض ذلك أن هناك من تعاونوا مع الفرنسيين من علماء مسلمين ونصارى، ولكنهم قلة خرجت عن عموم الأمة، ورفضهم الشعب وعاملهم بازدراء، ونالوا جزاء ما اقترفوه أثناء وبعد خروج الفرنسيين وجلائهم.
أما عند الاحتلال العسكري الإنجليزي لمصر عام 1882م، وبعد أن ظهر تيار التغريب "العلمانية" في البلاد على أيدي الحكام، وبعد أن أضعف "محمد علي باشا" وضع علماء الأزهر ورجاله، وعرف متعلمو الأمة -وتأثروا- بالغرب من خلال البعثات والإرساليات لأوروبا، ودخل الأجانب من الأوروبيين البلاد في ظل الامتيازات الأجنبية؛ تغيرت الأوضاع، فـ"الخديوي توفيق" يرحب بحماية الإنجليز له، ويثبت حكمه من خلال احتلالهم العسكري للبلاد، والمقاومة للاحتلال هي للجيش المصري، ووزارة البارودي وعرابي تطالب بنظام حكم ينبغي عليه أن لا يعتدي على أمة مستقلة تنادي بحكم نيابي، وهي ترى بريطانيا دولة متحضرة متقدمة لها سبق وريادة، ومصر في ظل حكم أسرة محمد علي تدين بولاء اسمي فقط للدولة العثمانية.
وهذا كله يشير إلى التغير الكبير الذي وقع في الأمة، فلم تعد نظرتها للأمور من منطلق إسلامي بحت ويقودها علماء الأزهر، ولكنها من رؤية علمانية لا ترفض الغرب وتسعى للتشبه به، ولكن بدون احتلال، ونؤكد على هذه الملاحظة فنقول:
"لما عرض القائد الإنجليزي "نلسن" على "محمد كريم" حاكم الإسكندرية حماية الأسطول الإنجليزي له لمواجهة الحملة الفرنسية(1) رفض تلك الحماية "قائلا له: هذه بلاد السلطان"(2)، يعني السلطان العثماني، وتبدو أهمية تلك العبارة في إبراز الارتباط بالدولة العثمانية وأصالة ذلك في الوجدان المصري، كرمز لما وراءه من علاقة بالدين، لا تقبل أن يفرط فيها "وتلك واحدة مما يحسب لذلك الفكر، ونحن نزنه بموازين الإسلام، قياسًا بما سيلحق به بعد ذلك من أثر التغرب بالفكرة القومية، لم تكن هذه الفكرة قد طرأت بعد على هذا المجتمع الذي لم يكن حتى ذلك الحين يرى في غير الدين سببًا للتجمع في إطار الوحدة السياسية أو الدولة"(3).
لما نزل الفرنسيون جهة العجمي في غرب الإسكندرية وبلغوا أسوار المدينة صباح 2 يوليو 1798م، لم ينتظر الشيخ "محمد كريم" وصول النجدة من القاهرة، وشرع يدافع عن المدينة بما لديه من قوة، واستمات في الدفاع عنها، ولكن الفرنسيون هاجموا المدينة من ثلاث جهات حتى اقتحموها، فاستمر الشيخ محمد كريم في الدفاع عن المدينة بعد دخول الفرنسيين واعتصم بقلعة "قايتباي"، ثم لما وجد أن قواته أضعف من أن تقف أمام الجيش الفرنسي المسلح بأحدث تسليح كفَّ عن القتال. وقد تكبد الفرنسيون خسائر في استيلائهم على الإسكندرية بلغت ثلاثمائة فرنسي بين قتيل وجريح(4).
وكان من القتلى الجنرال ماس MAS، ومن الجرحى الجنرال كليبر، أصابه عيار ناري في جبهته(5)، ولما تبين للفرنسيين استمرار عداء الشيخ محمد كريم لهم بعد احتلال الإسكندرية اعتقلوه وحبسوه، ثم أعدموه.
ولما وصل الفرنسيون إلى القاهرة تولى الشيخ "عمر مكرم" تحميس الشعب للمقاومة، ولكن "مراد بك" والآلاف من المتطوعين من أهل القاهرة وسكان الأقاليم انهزموا أمام المدفعية الفرنسية، ودخل الفرنسيون القاهرة فغادرها عمر مكرم، ورفض العودة للقاهرة في ظل الاحتلال منتظرًا قدوم القوات العثمانية لمحاربة الفرنسيين، وقد وجه إليه نابليون الدعوة للعودة فأبى، وقد أنشأ نابليون ديوانـًا من عدد من المشايخ المصريين لحكم القاهرة في ظل الاحتلال الفرنسي، وعين الشيخ عمر مكرم فيه بوصفه نقيب الأشراف، لكنه رفض ذلك، وانتقل إلى الشام فما كان من نابليون إلا أن عزله من نقابة الأشراف وصادر أمواله.
ولما توجه نابليون إلى الشام قبض على الشيخ عمر مكرم وعدد من المصريين فأعادهم إلى القاهرة، فاعتكف في منزله ينتظر الفرصة لمواصلة الكفاح.
فلما تولى "كليبر" الحملة بعد نابليون الذي عاد إلى فرنسا انتهز عمر مكرم خروج كليبر من القاهرة لمواجهة العثمانيين في موقعة عين شمس فأشعل ثورة القاهرة الثانية في مارس 1800م، والتي استمرت شهرًا كاملاً، ولكن كليبر أنهاها بقوة بطشه، وخرج عمر مكرم للمرة الثانية من القاهرة إلى الشام ولم يعد إليها إلا مع الجيش العثماني بعد خروج الفرنسيين؛ حيث أعاده الوالي العثماني إلى منصب نقيب الأشراف من جديد.
ومن زعماء ثورة القاهرة الثانية الشيخ "محمد السادات"، وكان من المشايخ الذين اختارهم نابليون في الديوان الذي يحكم القاهرة من المصريين، فلما قامت ثورة القاهرة الثانية كان في مقدمة زعماء الثورة إلى جانب عمر مكرم. فلما قضى كليبر على الثورة بقي الشيخ محمد السادات إلى جانب الجماهير في القاهرة ولم يغادرها فتعرض للاضطهاد والاعتقال والتعذيب، حيث سيق إلى القلعة فحبس بها، وعذب بالضرب، وصودرت أمواله، فتحمل كل ذلك في شجاعة وصبر هو وأهل بيته.
وفي مقابل ذلك فهناك من تعاون مع الفرنسيين ومال إليهم:
- فمنهم الشيخ "خليل البكري" الذي سعى لدى الفرنسيين لتعيينه في منصب نقيب الأشراف بدلاً من الشيخ عمر مكرم، فقلدوه هذا المنصب(6)، فكان يقدر ذلك لنابليون ويسعى لإرضائه ويقدم إليه الهدايا(7)، وارتضى أن تكون داره المكان المختار لسهرات نابليون ومجونه(8)، "وانتهى الأمر بأن وثـَّقت ابنته زينب البكرية صلاتها بالفرنسيين وعلى رأسهم بونابرت حتى أوغل المعاصرون لها والمؤرخون والباحثون في شرفها وعرضها إيغالاً بعيدًا"(9)؛ لذا هاجم المصريون منزل الشيخ خليل البكري خلال ثورة القاهرة الثانية، وأخرجوه منه مع حريمه وأولاده وساقوه حافي القدمين عاري الرأس، وشتموه وسبوه(10)، وبعد جلاء الفرنسيين من مصر تم استدعاء الشيخ خليل البكري فعزل من نقابة الأشراف وأعيد المنصب إلى عمر مكرم(11)، وقتلت ابنته زينب جزاء سلوكها المنحرف(12).
- ومنهم الشيخ محمد المهدي الذي شغل أمين سر الديوان الذي عينه نابليون لحكم القاهرة من المصريين، حيث جعله أحد أعضائه في ديسمبر 1798م، فكان من أكثر المشايخ تقربًا للفرنسيين، وصاحب حظوة كبيرة لديهم(13)، فوثقوا به وأكرموه، وأقاموه وكيلاً عنهم في أشياء كثيرة(14)؛ لذا أحرق الثوار منزله أثناء ثورة القاهرة الثانية.
- ومن نصارى مصر من تعاون مع الفرنسيين يرى في وجودهم رفعته خاصة نصارى الأروام؛ لذا هاجم الثوار حارات نصارى الأروام الذين ساندوا عسكر الفرنسيين وأعانوهم خلال ثورة القاهرة الثانية(15).
ومن أشهر من عاون الفرنسيين من نصارى مصر "يعقوب بن حنا"، وهو مصري؛ ولد في ملوي بالقرب من أسيوط، سنة 1745م لأسرة متوسطة الحال، وتلقى تعليمه كأقرانه في أحد الكتاتيب القبطية المنتشرة في صعيد مصر، وعمل في صباه مساعدًا لبعض الكتبة، وفي عهد علي بك الكبير التحق بخدمة سليمان بك أغا الانكشارية، ليدبر له التزامه في أسيوط، ويجبي أمواله ويضبط دفاتر حساباته، وليتعلم أيضًا الفروسية(16).
فلما دخل الفرنسيون مصر جعلوه ساري عسكر حيث "جمع شبان القبط وحلق لحاهم وزياهم بزي مشابه لعسكر الفرنساوية مميزين عنهم بقبع، يلبسونه على رؤوسهم مشابه لشكل البرنيطة، وعليها قطعة فروة سوداء من جلد الغنم"(17)، و"صيرهم عسكره وعزوته وجمعهم من أقصى الصعيد"(18)، وقد جعله الفرنسيون في خدمتهم؛ لذا فعند جلاء الفرنسيين عن مصر رحل معهم؛ حيث تم إجلاء الجنود الفرنسيين على سفن إنجليزية طبقـًا للاتفاق الموقع بين الفرنسيين والعثمانيين والإنجليز.
فاستقل "يعقوب بن حنا" الفرقاطة الإنجليزية -"بالاس"- "التي أبحرت من رشيد في العاشر من أغسطس سنة 1801م بقيادة الكابتن "جوزيف إدموندز" وهي تحمل على سطحها بعضًا من بقايا جنود الحملة الفرنسية المنسحبين من مصر"(19)، حيث توفي بعد يومين من إبحار الفرقاطة الإنجليزية قبل وصولها إلى مرسيليا، وخلال هذين اليومين "تدور بينه وبين الكابتن جوزيف إدموندز قموندان الفرقاطة حوارات حدثنا عنها الأخير قائلاً: "والسفينة بالاس الموضوعة تحت أمرتي قد استقبلت على ظهرها في مصر قبطيًا ذا سمعة ممتازة، وهو أحد زعماء هذه الطائفة ويتمتع بحكم هذه الصفة بنفوذ عظيم.
وقد جعله الفرنسيون قائدًا على فيلق ليحصلوا على مساعدته، وقد أظهرت نحو هذا المنفي العاثر الحظ بعض مظاهر الرعاية الخفيفة فدفعه ذلك إلى محادثتي عن وطنه، وصرح لي أن من رأيه أن أي حكومة تحكم بلاده تفضل حكومة الترك، وأنه انضم إلى الفرنسيين بدافع من رغبته الوطنية في تخفيف آلام مواطنيه، وإن الفرنسيين خدعوهم ولهذا فالمصريون(20) الآن يحتقرونهم احتقارهم للترك فيما مضى، وإنه لا يزال يأمل في خدمة بلاده بواسطة الحكومات الأوروبية ويعتقد أن رحلته إلى فرنسا سوف تسفر عن هذه النتيجة"(21).
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) توقع الإنجليز المراقبون لتحركات الأسطول الفرنسي في البحر المتوسط إمكانية قدومه لمصر.
(2) نقلاً عن الرافعي "مصر المجاهدة في العصر الحديث". ص13.
(3) "تطور الفكر السياسي في مصر خلال القرن التاسع عشر" عبد الجواد يس. ط. المختار الإسلامي. ص44.
(4)، (5) راجع في ذلك: "عمر مكرم بطل المقاومة الشعبية" سلسلة أعلام العرب العدد 67 ط. دار الكاتب العربي يوليو 1967م. ص35.
(6)، (7) راجع "عمر مكرم بطل المقاومة الشعبية". ص48.
(8) راجع المصدر السابق: ص56.
(9) المصدر السابق: ص56، نقلاً عن الجبرتي ط. بولاق 1297هـ ج3 ص192، وج4 ص87.
(10) راجع المصدر السابق: ص70.
(11)، (12) راجع المصدر السابق: ص88.
(13) راجع المصدر السابق: ص58.
(14) راجع المصدر السابق: ص59 نقلاً عن الجبرتي ج4 ص233- 237.
(15) انظر "مصر من تاني" محمود السعدني ط. كتاب اليوم: ص97.
(16) راجع "القومية المصرية" د/ السيد نصر الدين السيد. ط. كتاب اليوم ص52.
(17)، (18) المصدر السابق: ص53، نقلاً عن الجبرتي "ج2/45".
(19) "القومية العربية". د/ السيد نصر الدين ص52.
(20) يقصد نصارى مصر؛ إذ أن ولاء مسلمي مصر كان للأتراك والسلطان العثماني قبل ظهور الدعوة إلى القومية بعد دخول التغريب والعلمانية إلى بلادنا.
(21) "القومية المصرية": ص54.
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://nour-heart.ahlamontada.net
 
رؤية تصحيحية لمفاهيم حول الحملة الفرنسية على مصر
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1
 مواضيع مماثلة
-
» وسائل الإعلام الفرنسية: الفراعنة اثبتوا بجدارة أنهم أسياد الكرة الافريقية

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
Nour Heart :: التعليم الجامعى وماقبله :: ابحاث :: مذاهب فكريه-
انتقل الى: