أمي الغالية

موضوع: أمي الغالية الخميس مارس 26, 2009 12:19 am

أمي الغالية

كتب -رئيس التحرير

أسبوع قاس يمر بي سنوياً في ذكري عيد الأم.. ورغم رحيل والدتي قبل 37 عاماً إلا أنني مازلت مسكوناً بشجن لا ينتهي عندما أسمع أغاني هذه المناسبة.. غير أن هذا الأسبوع كان أقسي من أي مناسبة للأم طوال الأعوام الماضية والسبب أنه كان أسبوع سلخ مصر حية.
كل الصحف الخاصة أفردت صفحاتها وملاحقها هذا الأسبوع لتسأل القراء إذا ما كانوا لايزالون يحبون مصر! وكأن مصر أصبحت عاراً علينا أن نفر منها كما يفر المرء من وحش يطارده.. ما الذي فعلته مصر حتي نكرهها! جاءت حكومة فاشلة أو قفز رجال أعمال فنالوا الثروات وفسدوا وأفسدوا فما ذنب مصر؟ مصر وطن وليست حكومة.. الخطأ الشائع الذي وقع فيه زملاؤنا أنهم خلطوا الوطن بالحكومة.
سألت الصحف الخاصة قراءها وكتابها ونخبة كانت مثقفة ماذا أعطتهم مصر أو ما هو الوطن؟ ردوا علي السؤال الأول قائلين ادتها زي ما أدتني وعلي الثاني بلهجة يقينية بأن الوطن هو الذي أكل منه عيش.. وهذا الكلام معناه أنني لو حققت ثروة في الخليج فهو وطني وإذا نجحت في أمريكا تصبح هي أمي.. الإجابات تعكس - للأسف - تغييراً جوهرياً في مفهوم الوطن عند المصريين.
دعونا نقارن مصر بأمهاتنا لندرك أنه ليس مهما أن تكون من أنجبتك جميلة أو غنية أو من عائلة ثرية كي تحبها.. لو ربطت حبي لأمي بمقدرتها في الإنفاق عليّ. فإن كل الأبناء سيكرهون أمهاتهم وسيقطعون رقابهن إذا اعتراهم ضنك الحياة وشظف العيش.
أحد القراء قال لصحيفته إنه يفضل أن تكون أمه هي إيران لأن إسرائيل تخاف منها.. معني ذلك أننا عندما انهزمنا في 1967 كنا لا نحب مصر.. لو كنا كرهناها لما استطعنا الانتقام والثأر لها بعد ستة أعوام.
والكاتب الكبير الذي قال إن مصر ليست أمه ولكن "مرات أبوه" ويرفض أن تكون أمه قبيحة لهذا الحد كان يجب أن يرد عليه أحد قائلاً إنني لو رأيت أمي قبيحة فعلي أن أساعدها لتتخلص من قبحها وأمراضها.. الأم تنجب الصالح والطالح.. القانع.. والطامع.. الفاسد والسوي.. المؤدب وسليط اللسان ..فعظمة الأم في تعددها.. وتنوعها.. واسأل كل الذين يكرهون مصر لأنهم لا يجدون عملاً أو مسكناً أو لأنها أصبحت مرتعاً للفساد أو أنه لا يوجد شيء اسمه وطن: هل أنتم وحدكم الفقراء؟ هناك 650 مليون هندي تحت خط الفقر ومع ذلك إذا سخر أحد من الهند في أي دولة بالعالم فإن هذا الفقير علي استعداد للفتك به في ثوان لأنه تجرأ علي بلده! أبناء المكسيك الذين يفرون إلي أمريكا هرباً من الفقر ويعملون في أحط المهن.. هل يكرهون بلادهم مثلنا؟ هناك خمسة ملايين تركي مسلم يعملون في مهن يدوية بألمانيا وبعضهم "زبالين" ويحرصون علي إحياء عاداتهم وتقاليدهم والاحتفال باليوم الوطني التركي في ألمانيا.. وبصراحة "يا ويله" من يسخر من تركيا!
هناك محاولات لتأليب طبقات الشعب ضد بعضها والعزف علي أمراضنا الاجتماعية مثل البطالة والفساد والفقر.. الوطن يا جماعة ليس جيباً إذا كان ممتلئاً نحبه وإذا خوي الوفاض نلعنه.
زملاؤنا الأعزاء في الصحف الخاصة نجحوا في أن يطرحوا علي الشباب سؤالاً هو ماذا قدمت مصر لكم؟ الأسعار نار والمرتبات ضعيفة والشوارع فوضي والفساد يطحن البلد والواسطة أقوي من القانون؟ فلماذا تحبون مصر؟! الأسئلة تضرب في المواجع. لكن أمراضنا ليس لها علاقة بالوطنية!
إذا كان المصريون يهاجرون بطرق شرعية أو غير شرعية فإن هذا لا يعني أنهم يكرهون الوطن.. الوطن انتماء ذاتي يظهر في أبسط شيء.. لا أحد يريد أن يدفن في الغربة إذا مات.. ماذا يعني ذلك؟
نعم الحكومة مخطئة في سياسات كثيرة.. وتختلف مع حزبها في أشياء أكثر.. لكن أسوأ حكومة في العالم وأفشل حزب في الكرة الأرضية لا يستطيعان جعل شعب يكره بلده.
لقد كره بعض أولاد مصر أمهم مثل الذين يقتلون أمهاتهم طمعاً أو غضباً أو تحت تأثير مخدر.. لكن هؤلاء أبناء عقوق لا يشترط أن يكون حالهم هو حال الجميع.. البعض يفهم الديموقراطية أن تضرب الحكومة بقسوة.. وأنا أوافق علي "النقد" لكني لا أوافق علي أن كراهية الحكومة والدولة ستولد كراهية مصر.. هذا تخريب.
الكراهية سلعة رخيصة يمكن تسويقها بكثافة لأن زبائنها هم الأكثر جهلاً والأقل استعداداً لاستبدالها بتمرين جدي للعقل.. إن الحياة مع كل هذا الكم من الكراهية هي جحيم نسير إليه بعيون مغمضة وقلوب عمياء.
يصدرون لنا كره الوطن من خلال تلوين كل شيء باللون الأسود.. حتي عندما تعرض الأفلام الجريئة في السينما لا نجد فيها نموذجاً واحداً لمعادلة السلبيات الكثيرة.. الناس عندما تشاهد الفن تصدقه ولا تفكر كثيراً في مدي ديموقراطية النظام الذي سمح بعرضها.
إننا كصحافة مسئولون عن تصحيح مفهوم الوطن.. وانظروا ماذا فعلوا بعقول الشباب.. دافعوا عن اجتياح حدودنا من قبل "حماس" ودعونا إلي التغاضي عن ذلك.. دافعوا عن الإخوان الذين يقولون "طظ" في مصر وأبو مصر.. دافعوا عن سعد الدين إبراهيم وشركائه.. شككوا في أحكام القضاء عندما تصدر في حق المعارضين وكأنهم أنبياء معصومون وإذا صدر حكم ضد عضو بالحزب الوطني فإنه يستحق أكثر منه.
تطالب صحفنا وبعض برامجنا الفضائية بتجاهل قانون المرور - مثلاً - لأنه قاس وعنيف.. وفي الوقت ذاته تنعي علي مصر أنها بلا قانون.. كل قانون يصدر تشكك فيه وكل تعديل وراءه هدف خبيث.
نشكو اتساخ الشوارع ولا نعلم الناس أن النظافة من الإيمان.. نصور العشوائيات باعتبارها مرتعاً للتطرف وإذا قامت الحكومة بنقل سكانها أقنعتهم وسائل الإعلام أن الدولة تبعدهم عن أكل عيشهم.. إننا كمصريين نحتاج أن نتعلم الانتماء قبل أن نطالب بحقوقنا.. الصحافة الخاصة وبعض الفضائيات يؤكدون للناس أن لهم حقوقاً فقط وليس عليهم واجبات.
من غير المعقول أن نزرع كل هذا في الشباب ونطالبهم بحب مصر.. ووصل الأمر إلي أنهم يشككون في الحكم بإعدام جاسوس ويطالبون بإعادة محاكمته رغم أن تهمة التخابر ثابتة عليه.. علينا أن نعلم الناس أن حب الوطن لا يمكن أن يقترن بحب الحكومة.. الحكومات والأشخاص زائلون.
الفقر في العالم كله.. الهند وماليزيا والصين والبرازيل والمكسيك بها فقر أكثر من هنا بكثير ولا أحد يسألهم هل تحبون بلادكم؟ حب الوطن لا يمكن أن نقول إنه من طرف واحد أو متبادل.. حب الوطن هو دم العروق وأنفاس الحياة.
..هناك مسئولية علي الآباء والأمهات.. علي المعلمين الذين طالبوا بكادر ليربوا التلاميذ علي المباديء والأخلاق.. علينا أن ننقل للأجيال الجديدة أنه لابديل عن الوطن.. تعدادنا أكثر من 80 مليون نسمة ولا يعرف أحد أن "مصر" تعني بكل لغات العالم الأرض السوداء القديمة.. وهي أفضل أنواع الأراضي.
نحتاج في الفترة القادمة أن نعمق الانتماء بالوطن في الأسرة أو المدرسة أو المسجد أو الكنيسة.. لا تربطوا بين الوطن والحكومة.. الوطن هو أم والأمهات منهن فقيرات وقبيحات وأميات وأحياناً يكن قاسيات أو مدللات. لكن لا أنا ولا غيري نستطيع أن نتبرأ منهن أو أن نتنصل من أننا جئنا للدنيا من خلال هذه الأم مهما كان جهلها أو فقرها أو حماقتها!
اجعلوا عيد الأم مناسبة سنوية للبر بالوطن كما نبر آباءنا وأمهاتنا - هذا إذا ما كنا نبرهم فعلاً.. اجعلوه دعوة لإعلاء قيم العمل والأمانة والشرف والحق والعدالة وليس قيم الخطف وتبرير جرائم السارق لأنه معذور والقاتل لأنه بلا عمل والفاسد بأن الحياة صعبة.. اجعلوه عيداً نتصدي فيه لمخططات خارجية وداخلية تريد لهذا الوطن مصير العراق ولبنان والسودان.. يا سادة مصر ليست في عظمة أمريكا ولا نظافة فرنسا ولا انضباط انجلترا ولا تعددية الهند ولا اقتصاد الصين.. لكني - وغيري كثيرون - لا نعرف وطناً غيرها.. ولا أماً سواها
سلمت يداك يارئيس التحرير

موضوع: رد: أمي الغالية الجمعة أبريل 03, 2009 2:18 pm

اجمل ماقرأت فى حب مصر..وفى الرد على من يدعى ان مصر مرات ابوه

[
scroll]
بارك اللة فيك ياحاج محى
واللة مصر فى عيوننا وفى قلبنا مهما تكلم الحاقدون
ويرحمنا من الأعلام الغربى الذى يريد تشوية صورة مصر فى جميع بلاد العالم
[/scroll]

موضوع: رد: أمي الغالية الأحد أبريل 19, 2009 10:06 pm

موضوع: رد: أمي الغالية الخميس أبريل 30, 2009 5:48 pm

تسلم ايد اللى كتب..واللى نقل
أمي الغالية Tealscrollroses