تحركات جماعة الإخوان المسلمين، وحزبها الحرية والعدالة بعد تولى د. محمد مرسى منصب رئيس الجمهورية، ونجاحه فى إحكام السيطرة على مقاليد الحكم، أثارت مخاوف أغلب القوى السياسية مما أطلق عليه «أخونة الدولة»، بمعنى استئثار جماعة الإخوان المسلمين وجميع الأطراف الموالية لها بمقاليد الحياة السياسية، بما يهدد باختلال موازين القوى بالحياة السياسية المصرية لصالح جماعة الإخوان المسلمين، والذى قد يؤدى فى النهاية إلى منع تداول السلطة، واستمرار الإخوان المسلمين فى الحكم إلى الأبد، لعدم وجود كتلة معارضة قوية يمكنها مجاراة قوة الإخوان المسلمين العددية والتنظيمية، ومن هنا فقد بدأ عدد كبير من القوى والأحزاب المدنية والليبرالية فى إنشاء تحالفات عديدة خلال الفترة الماضية، منها تحالف «الأمة المصرية» الذى دعا إليه حزب الوفد، ويضم شخصيات عديدة، على رأسها عمرو موسى، الأمين العام السابق لجامعة الدول العربية، والدكتور مصطفى الفقى، أستاذ العلوم السياسية.
ويسعىحمدين صباحى المرشح السابق لرئاسة الجمهورية إلى تأسيس التيار الشعبى الذى يضم عدداً من الأحزاب، بالإضافة إلى التيار الثالث.
ورغم هذا كله فإن السؤال الأهم الذى يطرح نفسه بشدة فى هذه المرحلة هو: هل تنجح هذه التحالفات فى بناء معارضة قوية تضمن لمصر ديمقراطية الدولة، والاتجاه نحو إنشاء جمهورية ثانية تختلف عما كان عليه الوضع فى عهد النظام السابق؟
عبدالغفار شكر، وكيل مؤسسى حزب التحالف الشعبى يؤكد لــ«اليوم السابع»، أن التعددية سمة أساسية من سمات المجتمع المصرى، وقد لاحظنا خلال الفترة الماضية اتجاه الشعب المصرى نحو الاستقطاب، ونشأت عدة تحالفات جديدة، منها تحالف «الأمة المصرية» الذى دعا إليه حزب الوفد، و«التيار الثالث» الذى يضم عددا من الأحزاب والقوى الليبرالية واليسارية، وهذه التحالفات تعد ظاهرة صحية للغاية.
وأضاف «شكر» أن هناك فارقا كبيرا بين التحالفات والاندماجات السياسية، فالأولى تكون فى جزء من العملية السياسية، أما الاندماج فيحتاج إلى سياسات وأفكار ومبادئ متفقة لتجمع بين حزبين.
وأوضح «شكر» أن التحالفات السياسية ستقوى المعارضة فى مصر، وتضمن لها صورة أفضل على الساحة السياسية، ونشاطا أكبر على أرض الواقع، وطرقا أسهل للوصول إلى رجل الشارع المصرى.
وعن قدرة هذه التحالفات فى تحقيق نسبة تمثيل أكبر فى الانتخابات البرلمانية المقبلة، قال «شكر» إن النجاح فى الانتخابات البرلمانية المقبلة يعتمد على عدة أمور، منها حجم التمويل المتاح لكل حزب، ووجود شخصيات مؤثرة ذات خبرة، وذات باع طويل فى العمل السياسى، ومدى قوة وانتشار هذه التحالفات فى الشارع المصرى، كل هذه العوامل تحدد مدى إمكانية الحصول على مقاعد أكثر فى البرلمان المقبل.
من ناحيته أكد طارق سباق، عضو الهيئة العليا لحزب الوفد، أن التحالفات السياسية لها تأثير إيجابى على تقوية المعارضة فى مصر، للعمل ضد أخونة الدولة المصرية، فاذا استطاعت الأحزاب والقوى المدنية أن تبلور نجاحها عبر التوصل إلى اتفاقات وتحالفات تصل بها إلى الشارع المصرى، وتقترب أكثر من المناطق النائية التى غابت عنها منذ سنوات، حينئذ ستكون للمعارضة صورة مختلفة تماما خلال الفترة المقبلة.
وأشار عبدالمنعم إمام، القيادى بحزب العدل، إلى أنه ينبغى على كل القوى والأحزاب أن تتعلم الدرس، وتعمل لمنع تفتيت الأصوات، مؤكدا أنه يجب ألا تتعدى هياكل وكيانات المعارضة كيانين أو ثلاثة على الأكثر، موضحا أن ذلك سيتيح لها فرصة تاريخية فى مواجهة التيار الإسلامى.
وأضاف «إمام» أن التيار الإسلامى ليس فى حالته التى كان عليها خلال الانتخابات الماضية، قائلاً: لاحظنا وجود انشقاقات فيه بين عدد من القوى والأحزاب، ولم يعد بنفس الهيكل والترابط الذى كان عليه عقب الثورة مباشرة، ولهذا فإن الواقع المصرى يتيح الفرصة لمعارضة قوية، وهذه الفرصة قد لا تسنح لنا كأحزاب تطالب بالمدنية والحفاظ على الهوية الوطنية مرة أخرى.
فى سياق متصل، أكد الدكتور عماد أبوغازى، رئيس لجنة تسيير أعمال حزب الدستور «تحت التأسيس» أن الحزب سيخوض الانتخابات البرلمانية المقبلة بكل قوة، وسيلجأ للائتلاف مع التيارات والقوى المدنية لقيادة التيار المدنى فى البرلمان الجديد عبر رؤية واضحة ومحددة، وتحالفات انتخابية على نطاق واسع.
وطالب «أبوغازى» القوى المدنية بعدم التشتت وإعادة أخطاء الماضى، مثلما حدث فى الانتخابات البرلمانية السابقة، حيث تنافست قائمتان للتيار المدنى، هما الكتلة المصرية، وتحالف الثورة مستمرة، مشيراً إلى أنه لا يوجد ضمان بأن تنزل القوى المدنية على قائمة موحدة، لكنه كشف عن أن هناك جهودا مستمرة لمحاولة توحيد القوى المدنية، والتنسيق بين الأحزاب المدنية فى مواجهة تيار الإسلام السياسى.
وأوضح الدكتور مصطفى النجار، عضو مجلس الشعب السابق، أن جبهة المعارضة كبيرة ومتسعة، إلا أنها غير منظمة، سواء أكانت أحزابا أم أشخاصا، مشيرا إلى أن المعارضة الحقيقية للإخوان ستتشكل بعد الانتخابات البرلمانية المقبلة، وستتوقف على خريطة التحالفات الانتخابية التى ستتم خلال التنسيق للانتخابات، وهل ستضم أطيافا مدنية واسعة أم ستحدث نفس حالة التشرذم والتفتت فى الانتخابات السابقة؟
وأكد «النجار» أن الأحزاب المدنية فرصتها الأخيرة فى الانتخابات البرلمانية، ولن يقدر أى حزب على خوض الانتخابات منفردا، كاشفا عن مبادرات وتحالفات وجهود لتوحيد الصف والتنسيق بين الأحزاب فى الانتخابات، وقال: «الكرة فى ملعب التيارات المدنية، وإن لم تتوحد خلال الانتخابات المقبلة فلا تلُم إلا نفسها»، مشيراً إلى أن هناك حالة من التفتت بين القوى المدنية سواء الحديثة النشأة أو القديمة.
وأضاف «النجار» أن الانتخابات المقبلة محك سياسى، وعلى الأحزاب المدنية النزول للشارع وحشد الجماهير، وعدم الاكتفاء بالتصريحات الإعلامية والشكوى والتذمر من انفراد تيار الإسلام السياسى بالساحة، موضحا أن الأحزاب المدنية ليس لها وجود بالشارع المصرى، وبعيدة عن الجماهير، والحالات التى تفاعلت بها بعض الرموز الوطنية بالشارع حالات فردية.
وأشار «النجار» إلى أن بعض الأحزاب المدنية قد تلجأ للتحالف مع الإخوان المسلمين من أجل مصالحها وحساباتها الشخصية، موضحا أن جماعة الإخوان المسلمين وحزبها السياسى لن تنجح فى تطويع الأحزاب المعارضة، مثلما كان يفعل نظام مبارك.
من جهة أخرى، أوضحت الناشطة السياسية إسراء عبدالفتاح، العضو المؤسس لحزب الدستور، أن المعارضة الحقيقية للإخوان ستظهر عندما يتضح للإخوان خط سياسى واضح، ويكشفون عن أنهم إعادة لإنتاج النظام السابق، حينئذ ستتشكل معارضة قوية للإخوان، مشيرة إلى أن قرارات الرئيس مرسى إيجابية حتى الآن، وقراراته بإقالة المشير طنطاوى وعنان، وإعلان تشكيل فريقه الرئاسى دون مستشارين من قيادات المجلس العسكرى أرضت القوى المعارضة لعسكرة الدولة.
واعتبرت «إسراء» أن الإعداد لتحالفات انتخابية حقيقية فى الانتخابات البرلمانية هو الذى سيصلح المعادلة السياسية عبر تيار مدنى قادر على جذب الناس ودعمهم الشعبى، مؤكدة أن التحالفات الانتخابية لابد أن تبدأ الآن، وأن تحشد الجماهير لمعارضة حقيقية للإخوان عبر تيار مدنى قادر على جذب ثقة الجماهير، لدعمها شعبيا وبناء كتلة برلمانية.
وطالبت «إسراء» القوى المدنية بالتعلم من أخطائها السابقة، وأن تواجه التحدى، وتتفادى التحالفات الفاشلة، مؤكدة أن الأهم من التحالف هو التنسيق الانتخابى مع الأحزاب، وإخلاء بعض الدوائر، وألا يزيد عدد التحالفات المدنية على ثلاثة على الأكثر، وألا تتنافس القوائم المدنية على دائرة واحدة.
وأوضحت «إسراء» أن هناك اجتماعات تنسيقية مع القوى السياسية لبحث بناء تحالفات مدنية قوية، وسيعلن عنها مع نهاية شهر سبتمبر، مقترحة وجود لجنة مستقلة تكون مختصة بالتنسيق مع قوائم التيارات المدنية، وأن تضمن ألا تتنافس الأحزاب المدنية فيما بينها.
محمود عفيفى، المتحدث الرسمى لحركة شباب 6 إبريل، كان له رأى مختلف نسبيا فى مسألة مواجهة القوى المدنية لجماعة الإخوان المسلمين، حيث أكد أن 6 إبريل هى المعارضة الحقيقية للإخوان، قائلا: الصدام بيننا وبين الإخوان قادم لا محالة، رغم أننا لا نتمنى ذلك، وذلك لاختلاف أيديولوجياتنا السياسية مع الإخوان، مشيراً إلى أن نقاط الخلاف التى قد تشهد صداما بين الإخوان و6 إبريل تشمل الانحراف عن مدنية الدولة، ومحاولة قمع أى معارضة، والسياسات الاقتصادية الداعمة لرجال الأعمال، والاستثمار الأجنبى، موضحا أن الحركة ستقدم طرحا اقتصاديا مختلفا تماما عن الإخوان.