على فوهة بركان .. تقبع محافظة مرسى مطروح فى انتظار المجهول، فهذه المحافظة التى كانت تستمتع بالهدوء، لتركيبتها القبيلة المستقرة، ولبعدها عن صخب القاهرة، أصبحت الآن مرشحة بقوة لدخول « نادى العنف» الذى سبقتها إليه محافظة سيناء.
فبعد الانفلات الأمنى الذى أعقب ثورة يناير، وانتشار تهريب السلاح من ليبيا بعد سقوط العقيد معمر القذافى، بدات تظهر فى مطروح اصوات إسلامية غاضبة، اتخذت من سلاح التكفير سلاحا تشهره ضد كل من لا يتفق مع أفكارها، وعلى رأسهم الرئيس محمد مرسى نفسه!
لا أحد يستطيع تخيل اى سيناريو ستتخذه تصاعد الأحداث فى مطروح.. هل ستشهد عمليات عنف ضد الدولة كما يحدث فى سيناء؟ هل سيستمر تهريب أحدث أنواع الاسلحة عبر الحدود الليبية لتنتقل لكل محافظات مصر؟.. وهل ستواصل افكار التطرف انتشارها وسط المحافظة؟ أم أن ما يحدث الآن مجرد سحابة صيف ستنتهى مع استقرار اوضاعنا السياسية؟
فى هذا الملف، نحاول الإجابة عن هذه الاسئلة، ونقدم إجاباتها لمؤسسة الرئاسة ولحكومة هشام قنديل ولكبار المسئولين فى البلد انشغلوا عنه بسيناء، ولم يلاحظوا أن مطروح قادمة على نفس الطريق.!
حكاية رفض المحافظ العسكرى.. طلب شعبى أم مناورة سياسية
وعود انتخابية لم تتحقق وراء تفجر الأوضاع بالمحافظة
منسق ثوار 25 يناير: ثورتنا اندلعت لتطهير المحافظة وإنهاء «عسكرتها»
مدير الإعلام بمطروح: تولى العسكري مسئولية المحافظات الحدودية ليس تقليداً جديداً
يبدو أن محافظات مصر الحدودية ستظل تمثل صداعا مزمنا في رأس النظام الجديد.. فمن سيناء شرقا الي مرسي مطروح غربا، تفجرت فجأة الاوضاع الأمنية، وخرج أبناء المحافظة الواقعة علي الحدود الغربية بالقرب من ليبيا، للمطالبة بانهاء «عسكرة المحافظة: التى طالما استمرت تحت حكم العسكر لفترة زمنية طويلة» شأنها في ذلك شأن كل محافظات مصر الحدودية شرقا وجنوبا.
الأوضاع في المحافظة الساحلية الحدودية تفجرت بعد الوعود التى أطلقها الدكتور محمد مرسي رئيس الجمهورية اثناء خوضه للانتخابات الرئاسية في مواجهة منافسه المرشح الفريق أحمد شفيق..
مرسي استغل سقوط نظام مبارك الذي كان يوظف العسكريين في أغلب مواقع الحكم في مختلف محافظات الجمهورية، قائلا: إن «مطروح المحافظة الحدودية التى يديرها محافظ عسكرى ستتحول الي محافظة مدنية وسيتم تصعيد أبنائها الي المناصب القيادية التنفيذية التى طالما حرموا منها خلال فترة حكم النظام السابق وأيضا إعطاء أبنائهم حق الالتحاق بالكليات العسكرية والشرطة».
تلك الوعود، ثم التغطية والتعتيم عليها، فجر الأزمة..فخرج رجال مطروح وقبائلها وشبابها الوافدون يطالبون بتنفيذ ما وعدهم به الرجل الذي أصبح رئيسا فاعتصموا ونصبوا الخيام وطالبوا المحافظ بترك منصبه والرئيس بتنفيذ وعوده.
«في كل مرة نغفو عن محافظة ولا نستيقظ إلا وهى حبلي بالأزمات والمشكلات».. هذا ما قاله حمودة الخولي المنسق العام لحركة ثوار 25 يناير بمطروح، مضيفا: حينما تم تهميش سيناء أصبحت وكرا للإرهابين حتى أصبحت معرضة للضياع بسبب غباء النظام السابق في تعامله مع مشكلات أبناء هذه المحافظة، ومطروح لا تقل أهمية عن سيناء فبالرغم من أنها لا تقع في خط المواجهة مع عدو مباشر، إلا أنها أيضا أصبحت ممرا دوليا لتهريب السلاح من ليبيا عبر مصر إلي كل دول العالم، وكذلك تهريب المخدرات.
منسق 25 يناير بمطروح يشير الي أن ثورتهم بالاساس قامت للمطالبة بتطهير المحافظة من الفاسدين الذين يتولون مسئولية الادارة، مشيرا الي أن مطروح هى المحافظة الوحيدة التى يتحكم فيها العسكر، ففي معظم المناصب التنفيذية المهمة بها تجد رتبة عسكرية تدير المكان حتى وصل عددهم إلي حوالي 15 رتبة عسكرية ما بين لواء وعميد وعقيد داخل ديوان عام المحافظة أو رؤساء مدن تابعة للمحافظة.
ومن وجهة نظر الخولي، الأزمة ليست في العسكر وحدهم لكن هناك أقطاب للحزب الوطنى مازالت تتحكم في دوائر صنع القرار.
غضب أهالي مطروح علي المحافظ ورفاقه من العسكر والفلول لم ينبع بين ليلة وضحاها، فعلي حد وصف الخولي فإن «المحافظ الحالي خلال عامين في إدارة شئون المحافظة لم يثبت نجاحه في العمل، فمع كل موجة احتجاج يطلب فرصة جديدة مشيرا إلي إن الاعتصام الحالي ليس جديدا، لكنه صورة مكررة من اعتصام منتصف اكتوبر من العام الماضي، الذي استمر حتى بداية نوفمبر، وتم تعليقه بعد أن طلب المجلس العسكرى والمحافظ نفسه فرصة للعمل ليبدأ في مشروع نهضة مطروح.
ويضيف الخولى قائلا: وبعد مرور 11 شهراً لم يتغير المحافظ، ولم ينفذ وعوده، بل ساءت أحوال مطروح وانتهى حكم العسكر فى مصر، ليأتى حكم الإخوان الذين يسيرون علي نهج النظام السابق والمجلس العسكرى في إبقاء مطروح محافظة حدودية تحت حكم العسكر ليتنصلوا من وعودهم. واستطرد الخولى مؤكدا: يبدو أن تفاهمات بين المجلس العسكرى والإخوان على أن تستمر مطروح كتيبة عسكرية.
اللواء محمد حلمى مدير العلاقات العامة والإعلام بمحافظة مطروح قال: إنه ليس جديدا أن يتولي عسكري مهمة محافظة حدودية،لأن المحافظات الحدودية تعتبر خط مواجهة مع دول الجوار، مشددا علي الأخطار التى تحيط بمطروح الواقعة علي خط المواجهة مع دولة ليبيا الشقيقة وخاصة بعد الثورة التى قامت هناك وهو ما جعل من لبيبا ملعباً مفتوحاً أمام الجميع من تجار السلاح والمخدرات بالاضافة الي مخابرات الدول الاخرى التى تنشط في مثل هذه الأوقات.
وأضاف: الطبيعة الخاصة لمطروح التى تمثل مجتمعا قبليا مازالت تتحكم فيه العادات والتقاليد والاعراف القبلية، وهو ما يعنى أن المحافظ يجب أن يكون عسكريا حتى يستطيع التعامل مع القبائل وبعدل مع الجميع دون انحياز لقبيلة دون أخرى.
وطالب حلمى بضرورة إتاحة الفرصة للمحافظ حتى ينتهى مما بدأ العمل به خلال الشهور الماضية، مضيفا أن المحافظ بدأ بالفعل في انجاز حلول لعدد كبير من المشكلات المزمنة التى تعانى منها المحافظة مثل مشكلة مياه الشرب التى خصص لها 200 مليون جنيه لإنشاء محطة مياه ضخمة وكذلك إنجاز شبكة المياه، بالإضافة الي كوبري فوكة الواقع قرب مدخل المحافظة، وكذلك إيجاد حلول فورية للانتهاء من تنفيذ شبكة الصرف الصحى.
السلاح في يد الجميع
أكثر من 10 ملايين قطعة سلاح مهربة من ليبيا إلي مصر عبر مطروح
خبرة قبائل مطروح بالصحراء وعلاقاتهم بعائلات ليبية تسهل التهريب
تحذيرات من استخدام السلاح ضد الدولة.. ومخازنه معرضة للانفجار فى أى وقت
حديث السلاح لا ينقطع فى مطروح، فمع كل ليلة وضحاها تخرج بيانات عن الجيش والشرطة بضبط كميات مختلفة من اسلحة متنوعة بالمناطق الغربية الحدودية المتاخمة لليبيا.. هنا في محافظة مطروح الحديث عن السلاح يشبه الحديث عن الطعام والشراب.. فهو حديث يهم الجميع.. عائلات وقبائل ووافدين.
وبعيداً عن نظرية المؤامرة بأن أعداء الخارج يريدون إغراق البلاد بالسلاح لاستخدامه ضد النظام، فإن الحقيقة مختلفة تماما.. فليبيا بالنسبة لمصر هى سوق السلاح العظيم.. ومصر نفسها بالنسبة لدول أخرى وحركات سياسية لا تمثل إلا وسيطاً أو ممراً، يعبر من خلاله السلاح الي مثواه الأخير وهو حماس أو سوريا أو لبنان.. أما المصريون فى مطروح فقد تعاملوا مع السلاح من منطلق أن «الميه متعديش علي العطشان» فكان لابد لهم أن يقتطعوا كميات من هذه الأسلحة العابرة عبر أراضيهم لتسليح أنفسهم.
قبل أن يسقط نظام القذافي كانت في ليبيا أسلحة متطورة اشتراها الرجل لتطوير وتسليح جيشه، بالاضافة الي أسلحة حلف الناتو التى زود بها مواطنى ليبيا اثناء الثورة ضد القذافي، فالسلاح في ليبيا كثير جديد يكفي ليبيا وما حولها.
«مصر بلد العشرة ملايين قطعة سلاح الهاربة من ليبيا «هذا هو الرقم الذى أعلنه الدكتور كمال الجنزورى رئيس الوزراء السابق، وقال إنه رقم مرشح للزيادة طالما استمر الانفلات الأمني وهو ما يعنى أن مصر بلد غارق في السلاح القادم من هناك.
في كل الأحوال السلاح تجارة غير مشروعة وتمر عبر حدود الدول عبر طرق غير مشروعة، لكن الوضع في مصر يختلف، فالسلاح الليبي العابر الي مصر، مر في أوقات كثيرة عبر المنفذ الحدودى الرسمى الفاصل بين مدينة السلوم المصرية ومدينة مساعد الليبية، نتيجة الانفلات الأمنى التى أصاب مصر وليبيا خلال أحداث ثورتى البلدين وما تبعهما من انسحاب للشرطة من مواقعها، وأيضا انتقال الجيش الي الداخل وهو ما جعل الحدود مرتعا للجميع.
لكن الطريقة الأشهر في التهريب واختراق الحدود، فلا يفصل مصر عن ليبيا سوى سلك شائك تؤمنه نقاط حدودية متباعدة، فيسهل علي المهربين اختراقه، وخاصة انهم يمتلكون خبره الصحراء ودوربها وخبثها وكذلك اجهزة متطورة من سيارات دفع رباعى وهواتف الثريا وكذلك أجهزة الـ GPS لتحديد الخرائط.
ولأن التهريب مهنة مربحة، فكان لابد من تغير الطرق التقليدية للتهريب، فكان يتم نقل الأسلحة الليبية عبر البحر وفلوكات أو مراكب الصيد الصغيرة من منطقة البردى الواقعة على الساحل الليبي الي مرسى مطروح عبر السلوم.
سوق السلاح الليبي لا يمكن لأحد اختراقه طالما أنه غريب عن أهل مطروح، فمفاتيح السوق معهم وحدهم، فلا تستطيع الشراء من دونهم نتيجة لثقافة المجتمع القبلي، ورحابة الصحراء التى لا يعرف أحد دروبها إلا هم، كما أنهم يرتبطون بعلاقات مصاهرة وقرابة مع عائلات وقبائل ليبيا الذين يسهلون لهم طريق السلاح.
سوق السلاح مفتوح لجميع الأنواع.. بنادق قنص، تبدأ أسعارها من 15 ألف جنيه إلى 50 ألفاً حسب إمكانية كل بندقية، فهناك بنادق بمنظار ليلى مداها يبلغ 7 كيلومترات، ويصل ثمنها إلى 25 ألف جنيه، وهناك بنادق الـF N، ويصل مداها إلى 3 كيلومترات ويبلغ ثمنها 30 ألف جنيه، وهناك قناصة هتلر وهى نوعان 6 و14 طلقة ويصل سعرها إلى 50 ألف جنيه، و الرشاشات الآلية بجميع أنواعها ومستلزماتها، بداية من الصينى الذى يباع بـ16 ألف جنيه، وحتى الأمريكى الذى يبلغ ثمنه 25 ألف جنيه، والآلى الروسى بـ 28 ألف جنيه، وهناك آلى قطرى وعراقى وهى بنادق أرخص قليلا لا يتعدى سعر الواحدة منها 18 ألف جنيه.
وبالنسبة للجرانوف بأحجامه المختلفة، فإن سعره يبدأ من 25 ألفاً وحتى 60 ألف جنيه، والصاروخ الحرارى بـ15 ألفاً ومدفعه بـ30 ألفاً، والطبنجة الـ 9 ملى ما بين 12 إلى 20 ألف جنيه و«الآر. بى. جى» من 50 إلى 75 ألف جنيه، أما قاذفات الصواريخ والقذائف المضادة للطائرات فيصل سعرها إلى 200 ألف جنيه، وتعد البنادق الأكثر رواجا، يليها السلاح الآلي العادي 36 طلقة.
السلاح القادم من هناك لا يمر من هنا بسهولة فلابد أن يمر بمراحل متعددة فبعد ان يتم استلامه لابد من تأمين طريق مروره الي المخازن ثم ايجاد طريق لترحيله الي الناحية الشرقية من البلاد ومنه الي غزة، أو يستقر في سيناء، أويصل جنوبا الي الصعيد.
وتخزين السلاح جذب عدداً كبيراً من اهالي مطروح، والكثير منهم يمتلكون قطعا مختلفا وانواعا متعددة، إما للتباهى بها، وإما لاستخدامها لدرء مفاسد القبائل الأخرى عن قبيلته.
مطروح الصحراء التى تصل مساحتها حوالي 166 ألف كيلو متر مربع، يوجد بها العديد من مخازن السلاح، وهناك طرق ودروب عديدة لتهريبه منها مخازن العلمين وسيوه ورأس الحكمة وسيدى برانى والفوكة، وبالطبع في عمق صحراء السلوم وهى مناطق خاضعة لسيطرة البدو وينتقل السلاح منها وإليها بكل سهولة.
العمدة إدريس أبو السويطية عمدة الجمعيات، قال: ما تستطيع الحكومة ضبطه كميات محدودة جدا لا تتجاوز نسبة 5% من السلاح المهرب، مشيرا إلى أن وسائل الحكومة في مكافحة المهربين ضعيفة جدا، ففي الوقت الذي تخرج فيه قوات الأمن بسلاح آلي 36 طلقة فان المهربين يحملون آلي 1200 طلقة بمنظار ليلى ونهارى، موضحا أنه لا أحد يأمن علي نفسه في ظل انتشار مخازن عديدة للسلاح، فهى معرضة للانفجار في أى وقت وضد اي جهة حتى لو كانت الدولة نفسها لا، لأن المهربين لا يسعون إلا لمصالحهم الشخصية، مؤكدا أن الفوضى التى أعقبت ثورة ليبيا كانت خراباً بالنسبة لنا فهددت أمننا واستقرارنا.