الحلقه الحاديه والعشرون حسن التحيه

للذين أحسنوا الحسنى - الحلقة 21 - حسن التحية

الحلقة 21:
حُسن التحية

تأمل في الآية
(إِنَّ رَحْمَتَ اللّهِ قَرِيبٌ مِّنَ الْمُحْسِنِينَ
(56) الأعراف)
ما قال محسنين بماذا؟
كل عمل تحسنه فإن رحمة الله قريب منك.
إن الله تعالى لا ينظر إلى طبيعة عملك أو كنهه وإنما إلى مدى إحسانك وحسنك في هذا العمل.
رحمة الله تعالى تنزل عليك قريباً ولو بعمل بسيط جداً إذا أحسنته.
وهكذا شأن الملوك أن يكلفك بعمل يسير ولكنك تقوم به على أحسن وجه مهما كان يسيراً حتى لو فرشت له بساطاً بشكل حسن.
حلقتنا اليوم عن السلام عليكم،
واحد يقول السلام عليكم يدخل الجنة لا يبقى عليه ذنب بشرط أن يُحسنها
(وَإِذَا حُيِّيْتُم بِتَحِيَّةٍ فَحَيُّواْ بِأَحْسَنَ مِنْهَا أَوْ رُدُّوهَا
(86) النساء)
لأنه للذين أحسنوا الحسنى وزيادة حتى لوقال السلام عليكم إن رحمة الله قريب من المحسنين.
أحسِن أي شيء فقط أدّه بشكل حسن لا بشكل جميل لأن الجمال نسبي ما أراه جميلاً قد تراه أنت قبيحاً والحُسن مطلق.
المرأة الحسناء الفائقة الجمال بحيث لا يختلف فيها اثنان.
فالجنة لأنه لا يختلف في جمالها اثنان سماها تعالى الحسنى،
(للذين أحسنوا الحسنى)
وقال تعالى:
(فصبر جميل)
(فاهجرهم هجراً جميلا)
الهجر الجميل هذا متفاوت.
فإذا أحسنت التحية فقد فزت بفرصة ذهبية لأن تغفر كل ذنوبك، تحاتت ذنبوك كما يقول r كما يتحات الورق اليابس عن الغصن لم يبق على الغصن ورقة واحدة هكذا إذا أحسنت التحية أو ردّها فكانت تحيتك حسنة أو ردك لمن سلم عليك كان حسناً فإن ذنوبك تغفر جميعاً.
كلمة السلام عليكم أعجوبة في هذا الدين،
تأمل كم مرة سلّم عليك رب العالمين؟
رب العالمين سلّم علينا منذ زمن نوح
(قِيلَ يَا نُوحُ اهْبِطْ بِسَلاَمٍ مِّنَّا وَبَركَاتٍ عَلَيْكَ وَعَلَى أُمَمٍ مِّمَّن مَّعَكَ)
(وإذا جاءك الذين يؤمنون بآياتنا فقل سلام)
وهكذا ما من حالة إلا رب العالمين يبعث لكم بالسلام بالواسطة أو المباشرة لتعلم كم أن كلمة السلام عليكم عند الله عظيمة.
(فاصفح عنهم وقل سلام)
(سلام هي حتى مطلع الفجر)
أهل الجنة والملائكة يلهجون بالسلام باعتباره أجمل أنواع التخاطب فيما بينهم
(ادخلوها بسلام آمنين)
(سلام عليكم بما صبرتم فنعم عقبى الدار)
(سلام عليكم لم يدخلوها وهم يطمعون)
(تحيتهم فيها سلام)
(لا يسمعون فيها لغواً ولا تأثيماً إلا قيلا سلاماً سلاما)
(يُلَقون فيها تحية وسلاما)
(تحيتهم يوم يلقونه سلام)
لذا قال تعالى أحسنوها لأن مجرد أدائها فرض ككل عبادة.
كل عبادة تؤديها بالحد الأدنى لك فيها أجر لكن الكلام عن الحسنى أن تكون في الفردوس الأعلى في مقصورة الرحمن لأنك أحسنت عبادة واحدة أحسنتها واتخذتها وسيلة إلى الله عز وجل
(وابتغوا إليه الوسيلة).
نتكلم عن بعض ما جاء في موضوع السلام والتحية في السنة الشريفة.
يقول r:
"دب إليكم داء الأمم قبلكم الحسد والبغضاء والبغضاء هي الحالقة لا أقول حالقة الشعر ولكنها حالقة الدين"
بعبادة يسير أنت تدخل الجنة وبمعصية يسيرة تحبط أعمالك فالبغضاء تحبط الأعمال وأن يكون في قلبك غلٌ لأحد من أقربائك أو معارفك لا يغفر لك في أي موطن من مواطن المغفرة ويقول رب العالمين دعوهما حتى يصطلحا ويترك أهل الحقد لحقدهم، حينئذ أهل البغضاء في ورطة وهذه الورطة تزال بالسلام عليكم،
إذا لقيت هذا الرجل الذي بينك وبينه خصومة كبيرة ولا تحدثه ولا يحدثك وأنتما متخاصمان متنازعان لا قيمة لصلاتكما وصومكما
"إثنان لا ترتفع صلاتهما فوق رأسيهما شبراً أخوان متصارمان".
إذن رب العالمين عز وجل عندما جعل هذه العبادة اليسيرة التي لا تستغرق منك إلا ثانية بل أقل من ثانية
(السلام عليكم)
بهذه العبادة اليسيرة بأدائها ولكن ربما تحتاج لعناية خاصة في حسنها في إتمامها وجمالها لذا قال:
(فحيّوا بأحسن منها أو ردوها)
أنت تستطيع أن تصلي أي فرض بثواني بالحد الأدنى أي مقبول لكن ما بالك بمن يريد الإمتياز؟
كلامنا هنا في كل الحلقات لمن يريد أن يأخذ الامتياز،
كيف تأخذ امتياز بهذا العمل الذي تعمله لله عز وجل تؤديه بشكل حسن تبلغ به درجة الامتياز ودرجة الامتياز في التحية أن تؤديها بالشكل الذي سنذكر:
باختصار شديد لكي تكون التحية أو الرد حسناً يبلغ درجة الحسن والإحسان
أولاً:
أن تزيد على الصيغة التي بدأك بها الآخر إذا قال لك السلام عليكم قل له وعليكم السلام ورحمة الله وإذا قال السلام عليكم ورحمة الله قل وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته وإذا قال السلام عليكم ورحمة الله وبركاته قل له وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته ومغفرته بارك الله فيك،
ثانياً:
أن تكون باسم الوجه وليس عبوساً لأنه من تمام التحية أن تكون باسم الوجه، طلق الوجه.
ثالثاً:
أن تصافحه وهذه الشروط الثلاثة هي الحد الأدنى للتحية الحسنة وهناك شروط أخرى من ضمنها أن تكون أكثر مساءلة عن حال صاحبك تسأله عن حاله وأهله وصحته وأخباره وكلما كثرت ابتسامتك وكان بِشرك طافحاً وتصافحتما والمصافحة سُنّة ثم سألت عن أحواله فهذه الصيغة المثالية لحُسن التحية التي لا تبقي عليك ذنباً واحداً.
"دب إليكم داء الأمم قبلكم الحسد والبغضاء والبغضاء هي الحالقة لا أقول حالقة الشعر ولكنها حالقة الدين، ألا أدلكم على شيء إذا فعلتموه تجاببتم أفشوا السلام"
هذه التحية كلمة خطيرة ومن الأقوال الحسنة التي فيها سر.
وفي كتاب الله عز وجل عبارات سرها عجيب كما تقول حسبنا الله ونعم الوكيل بعده يقول تعالى:
(فانقلبوا بنعمة من الله وفضل لم يمسسهم سوء)
وكذلك أفوض أمري إلى الله قال تعالى بعدها
(فوقاه الله سيئات ما مكروا)
وقول إنا لله وإنا إليه راجعون قال تعالى بعدها
(أولئك عليهم صلوات من ربهم ورحمة)
ومن ضمن هذه الأقوال العجيبة السلام عليكم أو سلام عليكم وكلاهما وردتا في كتاب الله.
بهذه الشروط التي ذكرناها تكون أنت قد أديت تحية حسنة
(فحيوا بأحسن منها).
حديثنا في هذا البرنامج عن إحسان الفعل وإتقانه حتى يكون حسناً لا جميلاً فقط فالحسن مطلق والجمال نسبي.
النبي r عند قدومه المدينة احتفى به أهل المدينة إحتفالاً هائلاً بعد عذاب وتشريد وطرد وبقيت بركة هذا الاحتفال إلى هذا اليوم فالمدينة المنورة مميزة عن دول العالم من حيث لطف أهلها وشمائلها وبعد هذا الاحتفال بشّرهم r:
"أفشوا السلام وأطعموا الطعام وصلوا بالليل والناس نيام تدخل تدخلوا الجنة بسلام"
إبدأ بإفشاء السلام. يقول r:
"موجبات الجنة إطعام الطعام وإفشاء السلام"
"حق المسلم على المسلم رد السلام وعيادة المريض واتباع الجنائز وإجابة الدعوة وتشميت العاطس"
هذه حقوق أنت لست متفضلاً
إذا قال لك أحدهم السلام عليكم هذه سُنة لكن ردّها فرض وإذا لم تردها فأنت آثم.
من سلّم سلِم.
وفي آداب الإسلام أنه إذا جاءك من لا تعرفه وتوجست منه متى ما قال لك السلام عليكم فقد سلِم وهذه من تقاليد هذه الأمة.
يقول r
"السلام إسم من أسماء الله تعالى وضعه في الأرض فأفشوه بينكم"
" إذا التقى مسلمان فسلم أحدهما على الآخر وتصافحا إلا غفر لهما قبل أن يتفرقا"
أنت ما أن تسلم على أخيك وتصافحه إلا وقد غفر لكما، تأمل كرم الله عز وجل! هذا الرب الواسع.
"إذا التقى الرجلان المسلمان فسلم على الآخر فإن أحبهما إلى الله أحسنهما بشراً لصاحبه فإن تصافحا نزلت عليهما مائة رحمة وللبادئ منهما تسعون"
الذي يبدأ بالسلام له أكثر الأجر
"وخيرهما الذي يبدأ بالسلام"
إذا كان بينك وبين آخر خصومة فإذا بدأت بالتلفون أو مباشرة قلت لصاحبك السلام عليكم قسمت بينكم مائة رحمة تسعون لك إذا كنت أنت البادئ وله عشرة إن ردّ عليك فإن لم يردّ عليك فلك المائة.
كل هذه الكرة الأرضية وما فيها من حيوان ونبات وإنسان تتراحم برحمة واحدة من رحمة الله يرحم بها المؤمن والعاصي والكافر فما بالك بمائة رحمة يرحمك الله تعالى إياها بمجرد أنك تسلم على صاحبك ببشر وتصافحه؟!.
وإلى عهد قريب ما كان أحد من الناس يمر في طريق إلا ويسلِّم على من يعرف ومن لا يعرف كما في الحديث
"أن تسلم على من تعرف ومن لا تعرف"
وما زال الناس في القرى يسلمون على من يعرفون ومن لا يعرفون، كما قال r
" لا تقوم الساعة حتى يكون السلام على المعرفة"
هذه من علامات الساعة وهو يجري لأول مرة في كل بقاع الملسمين كان السلام على اللقاء أما الآن في بعض العواصم المزدحمة لا يسلم الناس إلا على من يعرفون بل قد يدخل الناس المسجد لا يسلم أحدهم على الآخر.
يقول r:
"ثلاث يُصفين لك وِدّ صاحبك إذا لقيته سلِّم عليه وإذا جلست افسح له في المجلس وتدعوه بأحب الأسماء إليه".
يقول r:
"إذا انتهى أحدكم إلى المجلس فلُيسلِّم فإذا قام فلُيسلِّم فليست الأولى بأولى من الآخرة"
من كمال التحية أن تسلم على الموجودين في مجلس وكثير من المجتمعات الإسلامية ليس من تقاليدها أن يسلم عندما يخرج من المجلس لكن السُنة أن تقول السلام عليكم. فعندما تسلم وأنت خارج من المجلس فإذا ارتكب هذا المجلس عبادة ذكروا الله أو تصدقوا أو فرجوا هم عن مهموم قالوا كلمة طيبة وأي عبادة منهم يأجرهم الله تعالى عليها فأنت شريك لهم لأنك ودعتهم بالسلام فتأمل كم لهذه الكلمة من قدسية؟!.
يقول r:
"إن المسلم إذا لقي أخاه فأخذ بيده تحاتت عنهما ذنبوهما كما يتحات الورق عن الشجر اليابس في يوم ريح عاصف وإلا غفر لهما وإن كانت ذنوبهما مثل زبد البحر"
أحد التابعين قال:
أبتحية يغفر لهم؟
فقال له أحد التابعين ألم تسمع قوله تعالى:
(لو أنفقت ما في الأرض ما ألفت بين قلوبهم)
بهذه التحية وما فيها من الأسرار ما لا تجده في الكثير من كلامنا.
يقول r:
"من تمام التحية الأخذ باليد"
(وطبعاً المصافحة كانت من شأن النبي r وأصحابه)
وقد سئل الصحابة فقالوا:
نعم ما كان يلقانا إلا ويصافحنا،
قلت لأبي ذر هل كان النبي r يصافحكم إذا لقيتموه؟
قال: ما لقيته إلا صافحني
وبعث إلي ذات يوم ولم أكن في أهلي فأتيته وهو على سريره فالتزمني
(اي عانقني)
والمعانقة يقول بعض الفقهاء إذا التقى اثنان بعد قدوم من سفر.
يقول r:
"تصافحوا يذهب عنكم الغِلّ وتهادوا تحابوا وتذهب الشحناء".
وليس من تحية المسلمين السلام بالأصابع إنما تقول السلام عليكم.
عبادة جميلة وسهلة تبعث الدفء والمحبة والثقة والأمان وتبعث كل هذا الأجر ولهذا كان المسلمون يتسابقون من يبدأ صاحبه بالسلام لأن العطاء الأكبر يكون للبادئ.
عبادة رائعة نعم بها المسلمون كما لم تنعم بها أمة وهو من حصائص هذه الأمة السلام عليكم بكل ما في السلام من دعة وجمال وأخلاقيات والسلام من أسماء الله عز وجل
وما من أمة تحب السلام وتحب أعداءها وتصافحهم بكلمة كهذه الأمة التي تتهم اليوم بالإرهاب، استعمرنا الغربيون جميعاً وأبادونا وليس في قلب رجل مسلم غِلاً على أحد منهم وانظر كم الغل في قلوبهم،
هذه أمة رحيمة يحبها الله تعالى لأن فيها من الرحمة وحب السلام ما لا تجده في أي أمة أخرى0
فنسأله تعالى أن يشيع في ربوع الأمة السلام وأن يشيع في العالم السلام وأن يجعلنا من أهل السلام ويجعلنا ممن يقال لهم
(سلام عليكم بما صبرتم فنعم عقبى الدار).