الحلقه السابعه والعشرون حسن الوعد

الحلقة 27:
حُسن الوعد

ومن الحُسن الوعد الحسن والوعد الحسن هو الذي يصدق ويبشر بخير قال تعالى
(أَفَمَن وَعَدْنَاهُ وَعْدًا حَسَنًا)
كل العلاقات بين الناس تقوم على الوعود رئيس الدولة يعد شعبه بإصلاحات وأمور تسعده
والأب يعد أولاده بما يبشرهم ويصلح شأنهم والأخ يعد أخاه والشريك يعد شريكه،
وكل فعل مضارع يتم بالسين سأفعل، سأنجحك، سأعطيك، سأسهل لك أمرك، سأقيم لك دولة، سأبث فيك الديموقراطية وحقوق الإنسان، كل هذه وعود وحينئذ هذه الوعود إذا كانت يقينية وتبشر بالخير سميت الوعد الحسن وإذا كانت مجموعة أكاذيب وحيل وضياع زمن ومراهنة على أوقات الآخرين واسستغفالهم فهذا هو الوعد القبيح وهو من علامات المنافقين وعلامة المنافق أنه
إذا حدّث كذب وإذا وعد أخلف وإذا اؤتمن خان وصفة المؤمن إذا حدث صدق وإذا وعد وفى وإذا اؤتمن أدّى.
هكذا هي المسألة حياتنا كلها وعود كل واحد يعد الآخر والوعد فيه شيء من الأمل مريح ولهذا رب العالمين سبحانه وتعالى اختار من كل هذه الوعود الوعد الحسن وهو الوعد بالخير مع تحقيقه ومع صدقه فعلاً
"إذا وعد وفى"
هذا الوعد يسمى وعداً حسناً.
وأعظم الوعود ما وعد الله ورسوله وما من وعد صادق مطلقاً إلا وعد الله ورسوله كما قال تعالى
(وَلَمَّا رَأَى الْمُؤْمِنُونَ الْأَحْزَابَ قَالُوا هَذَا مَا وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَصَدَقَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَمَا زَادَهُمْ إِلَّا إِيمَانًا وَتَسْلِيمًا)
فالمؤمنون والحمد لله موقنون يقيناً جازماً بوعد الله لهم،
(وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ مِنْهُم مَّغْفِرَةً وَأَجْرًا عَظِيمًا)
وعد صدق ما بعده من صدق وهذا دستور المؤمنين عموماً. كل مؤمن بالله ويعمل الصالحات وعده الله عز وجل بالأجر العظيم على ما كان منه.
لأن هذا النظام نظام العبودية عجيب تتفاعل عظمة الله مع رحمته، جبروته مع حنانه تتداخل تداخلاً عجيباً ولذا رحمتي سبقت غضبي، بهذا الإعلان الإلهي لعباده سبقت رحمتي غضبي تعال فلسف وفصِّل هذا الدستور ستجد أن الرحمة غالبة وأن العداوة متقهقرة بيقين جازم ما دمت من الذين آمنوا وعملوا الصالحات لأن الإيمان هذا نقلة تجعلك في صف الصواب بل هو الصواب كله والعبادات ما هي متممات له وآثار من آثاره وهي آثار محببة إن مارستها وعرفت سرها وتعودت على بهائها وجمالها، تصبح زهو حياتك كما قال r:
قرة عيني في الصلاة
ونحن في رمضان شعور كل الصائمين شعور هائل ما إن يصلي الظهر وننطلق إلى بيوتنا حتى يصبح هذا الصوم من أجمل دقائق حياتنا، كل دقيقة فيه زهو وجمال وهكذا كل العبادات إذا تعرفت على سرها تأنس بها ويوماً بعد يوم تأنس بالله عز وجل حتى تصبح إنساناً آخر بمفاهيم جديدة تستعذب الألم وتستعذب البلاء لأنه في سبيل الله عز وجل وأنت تعرف ماذا يعني البلاء لهذه الأمة.
(أَفَمَن وَعَدْنَاهُ وَعْدًا حَسَنًا فَهُوَ لَاقِيهِ كَمَن مَّتَّعْنَاهُ مَتَاعَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا ثُمَّ هُوَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مِنَ الْمُحْضَرِينَ
(61) القصص)
والمحضَر هو المعاقب كما نقول الآن في الشرطة يكتب المحضَر أي الإتهام والمحضرون يوم القيامة هم الذين حق عليهم العذاب.
إذن الوعد هو ما كان فيه خير فإن كان صادقاً فهو وعد حسن.
نقف عند قوله تعالى
(وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ مِنْهُم مَّغْفِرَةً وَأَجْرًا عَظِيمًا)
آمنوا بالله هذه قضية مفروغ منها، وعملوا الصالحات لا تجد أمة ديدنها عمل الصالحات كهذه الأمة، هذا الأذان الذي يرتفع في كل جوانب الأمة وما تمر دقيقة إلا وهناك أذان يُرفع في كل بقعة من بقاع الأرض هذه خصيصة من خصائص هذه الأمة، والمصلون وهم الغالبية العظمى الساحقة يعرفون ماذا يدخل الأذان في نفوسهم من جمال.
إذن الذين آمنوا وعملوا الصالحات لهم مغفرة وأجر عظيم، ماذا نعدد لكي نعلم أن هذا الوعد حسن بالمائة مائة ولا يقبل الشك ذرة وإنما هي قضية مسلمة لا يشك فيها المؤمنون والذين عملوا الصالحات، وعمل الصالحات فيصله وعلامته أن تتوجه إلى القبلة وما دمت توجهت إلى القبلة فأنت من الذين آمنوا وعملوا الصالحات لأن الصلاة تجلب أخواتها.
رب العالمين الصلاة والصوم والزكاة ونظرية الذنب والتوبة عند الأمة عجيبة والاستغفار على لسانها كل ساعة ومنظومة الاستغفار معروفة الاستغفار والشفاعة العامة والتضرع والشفاعة الكبرى والبلاء كل هذا مما يجعل الوعد صادقاً مائة بالمائة ولكل صديق شفاعة ولكل من تعمل له معروف شفاعة وتأتي الشفاعة الكبرى لمن ارتكب الكبائر ومات لم يتب منها فإذا مات وقد تاب منها لم يعد من أصحاب الكبائر
" شفاعتي حق لأهل الكبائر من أمتي".
بعدها تأتي منظومة النفحات الله تعالى يضاعف الحسنات أضعاف كثيرة فهناك عشرة وخمس وعشرون وسبعمائة وهناك مضاعفات لا يعلمها إلا الله عز وجل لسعتها وهو الصوم وهذه الليلة التي نحن في أجوائها ونفحاتها، هذه الليلة التي تضيف إلى عمل الصائمين عمل 83 سنة بقيام ليلها وصيام نهارها ولا يعصى بها الله عز وجل, كل من يصوم وحضر هذه الليلة التي نحن في أجوائها الآن أضاف الله إلى رصيد حسنات 83 سنة.
النفحات أن يضاعف الله الحسنات وكل عبد من عباد الله يوم القيامة ينال هذه الليلة ليلة القدر ما من صائم يصوم لوجه الله إلا وله نصيب من هذه الليلة على تفاوت معين ربما أحدنا أكثر خشوعاً أو أكثر فقهاً لكن يستحيل أن يأتي من صام وحضر هذه الليلة وليس له نصيب منها لأن ليلة القدر متعددة وأنت في أجوائها حتى لو كنت في بيتك ما دمت تسبح وتصلي وتقرأ القرآن فأنت من أهلها.
صوم يوم عرفة يغفر سنتين، كل يوم في رمضان يعتق الله تعالى سبعين ألف من النار وفي آخر ليلة يعتق بقدر ما أعتق في كل أيان الشهر، بر الوالدين، كفالة اليتيم لا تبقي ذنباً واحداً، أهل القرآن وكل حسنات القرآن من العجائب قراءته، إعرابه وشرحه وتفسيره وحبه
(ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتَابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنَا مِنْ عِبَادِنَا)
وهذه الأمة مصطفاة بهذا الكتاب العزيز. ومن ضمن النفحات حسن الظن بالله
"لا يموتن أحدكم إلا وهو يحسن الظنّ بالله".
ومن خصائص هذه الأمة نظرية الكنَف يوم القيامة كما قال r:
"إن الله عز وجل يدني المؤمن يوم القيامة فيضع عليه كنفه
(الكنف مثل العباءة ثم هناط طفل تأخذه تحت العباءة تدفئه وتطمئنه، في جزء مليار من الثانية يحاسب الله تعالى كل الناس كأنهم شخص واحد ما حسابكم ولا سؤالكم إلا كنفس واحدةç
ويستره ويقرره ذنوبه فيقول تعرف ذنبك ذا؟
تعرف ذنبك ذا؟
حتى إذا قرره بذنوبه ورأى بنفسه أنه هلك وأن ذنوبه كثيرة فقال فإني قد سترتها عليك في الدنيا وأغفرها لك اليوم ثم يعطى كتاب حسناته".
هكذا رحمة الله تعالى التي تسع كل شيء.
إن وعد الله حسن يقيني أنه عز وجل وعد الذين آمنوا وعملوا الصالحات أن لهم مغفرة وأجراً عظيماً.
إذا أردت أن تتوسع في أسباب هذه الرحمة تفهم قول الرسول r
"لا يدخل النار إلا شقي"
ما من مصيبة تصيبك في هذه الدنيا وكل ما تكرهها نفسك وما أكثر ما تكره نفسك من هم ومرض وغم ونصب حتى الشوكة يكفر بها خطاياك فلا يبقى عليك ذنب يوم القيامة. هناك حديث صحيح يسمى حديث الفكاك،
"ما من مسلم يموت إلا وجعل الله فكاكه من النار يهودي أو نصراني"
ربما تعجب من هذا لكن عندما تتأمل في هذا المكر السيء والعداء الشرس والتمزيق لهذه الأمة، هذان الصنفان اليهود والنصارى الذين كرّمهم الإسلام واعترف بأنبيائهم وأمرنا بموادتهم
(لَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُم مِّن دِيَارِكُمْ أَن تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ)
وأسماؤنا ونصلي عليهم كل هذا لم ينفع معهم وإنما مزقوا هذه الأمة فرقاً وطوائف
(إن تصبكم حسنة تسؤهم)
ما أقدرهم على ذلك وما أضعفنا أمام ذلك، أحزاب تكفر المسلمين بعضهم بعضاً ويبيدون بعضهم بعضاً في دول كالعراق والجزائر والشيشان ما تركوا عالماً ولا باحثاً إلا قتلوه هذا المكر وهذا الحقد الدفين هذه القدرة العجيبة على تشكيل هذه الطوائف التي تمزق الأمة بحيث هذه الطائفة ليس لها من عدو على الأرض إلا الطائفة الأخرى من المسلمين وخاصة العالمين منهم سواء طبيباً أو عالماً أو داعية إبادة كاملة بدم بارد ويعلن علناً أن الباقون كلهم مشركون ويسبون النساء على أنهن جواري ويزنون بهن ويذبّحون الناس في كل مكان وهذا كله من فعل اليهود والنصارى فإذا عرفنا التغلغل الرهيب في كل مفاصل حياتنا حتى وضعونا في هذه الفرقة والاستحواذ وهذه الوعود الكاذبة هذا المكر السيء هذا المكر الرهيب المنسوج نسجاً دقيقاً الذي لا يعلمه إبليس لكن شياطين الإنس أقوى من شياطين الجن وصدق الله ما من مؤمن إلا جاء فكاكه.
إذن الوعد الحسن من الله عز وجل أن الذين آمنوا وعملوا الصالحات من هذه الأمة كلهم ناجون ما دمت من أهل القبلة والله عز وجل يؤدي عنك حقوقك للآخرين
ما عليك إلا أن تحسن توحيد الله عز وجل وأن تكون من أهل القبلة وأن تحب كل الناس وكل المسلمين وأن لا يكون في قلبك حقد ولا بغض على أحد، هكذا هو الأمر
فاتقوا الله بأنفسكم ولا يدخل النار إلا شقي
وثقوا بالوعد الحسن.