الحلقه العشرون حسن التأسى

للذين أحسنوا الحسنى - الحلقة 20 - حسن التأسّي

الحلقة 20:
حُسن التأسي

ومن الحسن العظيم حسن التأسي والتأسي أن تجعل رسول الله لك أسوة كما كان لك قدوة
(لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِّمَن كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا
(21) الأحزاب)
ما الفرق بين أن يكون الرسول قدوة وبين أن يكون أسوة؟
الرسول قدوة للعمل الإيجابي الصالح الصحيح وكل أعمالك البناءة في الحياة أنت تقتدي بها برسول الله
(أُوْلَـئِكَ الَّذِينَ هَدَى اللّهُ فَبِهُدَاهُمُ اقْتَدِهْ
(90) الأنعام)
إقتد بالأنبياء في أعمالهم وأفعالهم وما يقولون لكي تنجز أعمالاً رائعة هذا رسول الله قدوة لك في عملك.
ورسول الله r أسوة لك في مصائبك وأحزانك ومآسيك، إذا أصابتك مصيبة أو ما شاكل ذلك من منظومة الأحزان والهموم فإن لك في رسول الله أسوة كيف كان يتصرف عند الشدائد؟
بالصبر العظيم والتوكل على الله والاحتساب، هذه المنظومة الإنسانية الراقية التي تربط العبد بربّه متوكلاً كلما أصابتك مصيبة قلت إنا لله وإنا إليه راجعون.
لما ذهب رسول الله إلى الطائف وفعلوا به ما فعلوا حتى استوحش وشعر أنه وحيد في الكون فقال دعاءه المعروف إلى أن قال
(إن لم يكن بك غضب علي فلا أبالي إلا أن عافيتك أوسع لي)
سأصبر وأجالد وكل ما أصابني في جنب الله لا قيمة له إلا أن يرضى الله عز وجل فما دام الله لم يغضب علي فلا أبالي بشيء ولكن يا ربي عافيتك أوسع لي استمطر رحمة الله بهذه العبارات.
هكذا هي الأسوة إصبر على ما أصابك وحاول أن تتوب بعد أن أخذتك المفاجأة وكل واحد في الساعات الأولى له الحق أن يجزع ولذا قيل الصبر عند الصدمة الأولى ونحن بشر وهم يتفاوتون قوة وضعفاً وفي البشر ضعف موروث ولهذا قد تفزع في أول وهلة كما فعل النبي r وأصحابه في غزوة الأحزاب، تحالف دولي على المدينة المنورة كما قال تعالى
(إِذْ جَاؤُوكُم مِّن فَوْقِكُمْ وَمِنْ أَسْفَلَ مِنكُمْ وَإِذْ زَاغَتْ الْأَبْصَارُ وَبَلَغَتِ الْقُلُوبُ الْحَنَاجِرَ وَتَظُنُّونَ بِاللَّهِ الظُّنُونَا
(10) الأحزاب)
جاءت كل أمم الشرك تمثلها قبائل الشرك من كل مكان تحالفوا ليخنقوا هذا الدين الوليد، حينئذ بعد هذا الذي حصل أن هذا مقدور عليه والمسلمون تضافروا وعندهم خطة ولديهم قواتهم تعاهدوا مع اليهود وبعض القبائل الأخرى تجحفلت معهم لكن على حين غفلة خان اليهود على عادتهم وتركوا المسلمين مكشوفين وتحالفوا مع عدوهم وانسحب المنافقون من خلال الصف الموحّد فأحدثوا ثغرة هائلة
(وَإِذْ يَقُولُ الْمُنَافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ مَّا وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ إِلَّا غُرُورًا
(12) الأحزاب)
لا بد من موقف، هذه المأساة والمحنة وهذه الأحداث الجليلة التي لم تكن في الحسبان بعد هذه الصدمة التي امتصها الرسول r امتصاصاً جعل المسلمين يثوبون إلى رشدهم وهذه صفات القائد، فالقائد لا يكون قائداً إلا إذا كان صابراً وصامداً واستطاع أن يقود جيشه بسلام عند الشدائد فامتصها النبي r واقترح عليهم خطة بديلة لكي يسد الثغرة التي أحدثها انسحاب المنافقين وخيانة اليهود وكانت مأساة.
وعندها عبروا الخندق وكان الرسول r يحفر مع المسلمين وهو قائدهم يحفر بالفأس كأنه واحداً منهم ويهزج كما كانوا يهزجون ويشجعهم وكلما صعُب على أحد المسلمين الحفر حفر مكانه ولاحظ النبي r سلمان الفارسي لا يستطيع أن يكسر صخرة فقام النبي فأخذ منه المعول وضرب تلك الصخرة فهشمها وكان في كل مرة يضربها يخرج لها بريق وكان في كل ضربة يقول:
الله أكبر فتح الله لي اليمن،
الله أكبر فتح الله لي الشام،
الله أكبر فتح الله لي المشرق،
وقد كان هذا بعد ذلك.
في تلك الأجواء تعرفون القصة كيف أن النبي r صمد ذلك الصمود الهائل وآسى جراح أصحابه ووزع الأدوار وانقلب الهم فرحاً
(وَلَمَّا رَأَى الْمُؤْمِنُونَ الْأَحْزَابَ قَالُوا هَذَا مَا وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَصَدَقَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَمَا زَادَهُمْ إِلَّا إِيمَانًا وَتَسْلِيمًا
(22) الأحزاب)
انقلبت بوادر الهزيمة إلى صمود هائل وامتدحهم الله تعالى
(مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُم مَّن قَضَى نَحْبَهُ وَمِنْهُم مَّن يَنتَظِرُ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلًا
(23) الأحزاب).
هكذا هو الذي حصل تحالف دولي على بقعة صغيرة والأقسى من التحالف الخيانة الداخلية وأخطر ما تعانيه الدول عند الحروب أن يخونها شعبها لأسباب حزبية أو فئوية أو طائفية كما يحصل الآن في كثير من دول العالم ولكن تبقى الفئة الصامدة هي التي تحصد النصر في النهاية
(قَالُوا هَذَا مَا وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَصَدَقَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ).
المفروض الصبر والصمود، إصمد وقم بواجبك واعمل خطة معينة وهكذا عليك أن تقتدي وتتأسى بالنبي r لو انتصر الناس لقلنا اقتدوا برسول الله ولكنهم انهزموا فقال:
(لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ)
وهذا حسن التأسي،
ماذا يفعل r في الأحزان؟
مات ابنه الوحيد فقال r:
(إن العين لتدمع وإن القلب ليحزن وإنا على فراقك با إبراهيم لمحزونون ولا نقول إلا ما يرضي ربنا)
تأسى بالرسول في مصيبتك فليكن الرسول r أسوة لك.
هكذا هو الأمر كل مسلم عندما يصيبه الحزن أو الأسى عليه أن يتأسى بالرسول r
(الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُواْ لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَاناً وَقَالُواْ حَسْبُنَا اللّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ (173) فَانقَلَبُواْ بِنِعْمَةٍ مِّنَ اللّهِ وَفَضْلٍ لَّمْ يَمْسَسْهُمْ سُوءٌ وَاتَّبَعُواْ رِضْوَانَ اللّهِ وَاللّهُ ذُو فَضْلٍ عَظِيمٍ
(174) آل عمران)
ما من صبر إلا بعده نصر وهكذا كل قوانين الدنيا، بريطانيا في الهجمة النازية عليها انتهت صواريخ هتلر دكتها دكاً وصبر تشرشل بمجموعة من الناس وهكذا كل الأمم إذا قيض الله مجموعة من الناس في ساعة التأسي تتأسى بقائد عظيم لها، تتأسى بأقواله وأفعاله وتصمد كما صمد فلا بد أن تنتصر إن النصر مع الصبر للباطل جولات والحق يغلب كل ما عداه ولكن عليك أن تحسن التعامل معه لأن الصبر شيء نفيس هائل والنصر شيء عظيم مطلوب والصبر والنصر عليهما أن يتضافرا.
في حنين
(لَقَدْ نَصَرَكُمُ اللّهُ فِي مَوَاطِنَ كَثِيرَةٍ وَيَوْمَ حُنَيْنٍ إِذْ أَعْجَبَتْكُمْ كَثْرَتُكُمْ فَلَمْ تُغْنِ عَنكُمْ شَيْئًا وَضَاقَتْ عَلَيْكُمُ الأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ ثُمَّ وَلَّيْتُم مُّدْبِرِينَ
(25) التوبة)
بقي أربعة محمد r وعليّ والعباس والحارث
وانهزم الجيش العرمرم الذي كان أكبر جيش حضره المسلمون حتى أن أحد المسلمين راكب على جواده فلما رأى الجيش قال والله لن نهزم اليوم من قلة
(وَيَوْمَ حُنَيْنٍ إِذْ أَعْجَبَتْكُمْ كَثْرَتُكُمْ فَلَمْ تُغْنِ عَنكُمْ شَيْئًا)
أربعة صامدون أشداء أقوياء امتصوا الهزيمة وعقلهم متدفق ووضعوا خطة صغيرة وإذا بسيدنا عليّ يربط الأسرى بحبال ولما عاد المسلمون بعد هذه الهزيمة الطاحنة ثم وجدوا المعركة قد انتهت وعليّ جالس مع النبي r والعباس والحارث عل تلّ يبتسم فقال تعالى
(وَيَوْمَ حُنَيْنٍ إِذْ أَعْجَبَتْكُمْ كَثْرَتُكُمْ فَلَمْ تُغْنِ عَنكُمْ شَيْئًا).
عندما تصمد مع القلة برغم الكثرة الهائلة من خيانة شعبك وقوة العدو إذا صبرت وصمدت فإن الله تعالى يرسل قوى من عنده، ترى قوة من اللامعقول وهذا يحدث دائماً.
من حسن التأسي برسول الله r أن يكون لك نصيب من الصبر وحظ من الجَلَد وتتوكل على الله عز وجل وأن تعلم أن لهذا الكون رباً يدير الأمور ويدبرها وأن هذا الرب ليس غافلاً عما يعمل الظالمون إنما يؤخرهم ليوم يعطيهم فرصة ليتوبوا ورب العالمين يقبل التوبة من الجميع، حينئذ فإن لم يحدث ذلك فإن الله تعالى سيرسل لك قوة هائلة من نفسك، من قومك،
ونسمع عن أدوية يأخذها الرياضيون تنشطهم وتبعث فيهم قوة هائلة.
لو تقرأ التاريخ هناك من الرجال من يعادل أمة وعليك أن تصمد واترك الأمر لله.
إن الصبر مع النصر والنصر مع الصبر حليفان ولذلك حسن الأسوة عندما تصيبك مصيبة في أهلك أو بدنك أو مالك أو وطنك فاعلم أن الله بهذه المصيبة لن يبقي عليك ذنباً لما قال تعالى
(وَإِن تُبْدُواْ مَا فِي أَنفُسِكُمْ أَوْ تُخْفُوهُ يُحَاسِبْكُم بِهِ اللّهُ)
فقال أبو بكر أنحاسب على كل هذا؟
قال رحمك الله يا أبا بكر ألست تمرض ألست تنصب؟
كل ما يصيب المسلم من نصب أو وصب أو هم أو جوع،
ليلة من الصداع والمليلة تغفر ذنوب العبد ولو كانت مثل جبل أحد ولا تبقي منها بقدر حبة خردلة
فما بالك بالمصائب التي تجتاج الوطن؟
هذه المحن الماحقة التي تجتاحك وتجتاح أولادك وعرضك وأمنك وسلامتك لا تبقي لك ولا تذر هنا يظهر الرجال الذي يتخفون من كل شيء إلا عقيدتهم ورجولتهم ووطنيتهم هؤلاء الذين يستحقون النصر.
عندما تقع الحروب رب العالمين ينظر من الذي يستحق النصر بثباته وصموده وكونه صاحب الحق وكونه أعطى هذا الحق من نفسه وأعصابه وضحّى وثِق أنه لا يمكن لفئة كهذه مهما كانت قليلة إلا وينصرها وانظر كل الدنيا روسيا اجتاحها هتلر ووصل إلى ليننغراد ثم ثبت الروس حوالي أربعين يوماً حتى انحسر هذا المد الهائل وانتهى الأمر وذهبت الدولة كلها وقوانين النصر والهزيمة قوانين عالمية ليست خاصة بالمسلمين ولكن لكل الناس على سواء،
أنت صاحب حق صمود أنت صمدت له لم تنهزم بعد أن خانك قومك وما من شعب إلا وفيه جيوب طائفية وجيوب عرقية وجيوب فئوية ما من شعب إلا وفيه.
ما عليك إلا أن تصمد وتعمل بالممكن المسلمون قالوا ما عندنا شيء و بعض الأحزاب والقبائل قال المسلمون نحفر الخندق وكانت خطة ناجحة فرب العالمني لن ينسى صاحب الحق
(كَم مِّن فِئَةٍ قَلِيلَةٍ غَلَبَتْ فِئَةً كَثِيرَةً بِإِذْنِ اللّهِ).
كانت النتيجة أن الله أرسل جنوداً وريحاً من عنده
(وَرَدَّ اللَّهُ الَّذِينَ كَفَرُوا بِغَيْظِهِمْ لَمْ يَنَالُوا خَيْرًا وَكَفَى اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ الْقِتَالَ وَكَانَ اللَّهُ قَوِيًّا عَزِيزًا
(25) الأحزاب)
هكذا رب العالمين لن يغفل وما عليك إلا أن تثق بالله ثقة كاملة وكريمة.
هكذا هو التأسي
(لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ)
إياك أن تستثقل المصيبة حتى تيأس وإياك أن تظن بالله الظنونا لأنك لو ظننت بالله فقد قطعت أقوى الأسباب التي تؤدي بك إلى النصر.
النبي r لا يقاس عليه في مسألة التعدد
(نحن أهل بين لا يقاس علينا أحد ولا نقاس على أحد)
فالتعدد للنبي r خاص به أما تعدد الزوجات ففي كتاب الله لأسباب معينة واحد تكفيه امرأة صحيحة وآخر قد يحتاج لأكثر، واحدة عقيمة وواحدة تلد وقد تكون لمصلحة سياسية، هتلر وموسوليني طلبوا من الرجال أن يعدلوا علاقاتهم بنسائهم هناك أسباب كثيرة يتزوج المسلم أكثر من زوجة النبي r حتى وهو مريض كان يعدل بين الزوجات وفي مرض موته استأذن زوجاته أن يُمرّض في بيت عائشة.
حسن التأسي في هذا الموضع أما أن النبي r فتعدده خاص به لا يقاس عليه لأن فيه تشريع ونصف الفقه الإسلامي يتعلق بالأسرة والرسول r طبقها من خلال هذا التعدد.
يقول r:
(من أعطي فشكر ومن ابتلي فصبر وظَلَم فاستغفر وظُلِم فغفر أولئك لهم الأمن وهم مهتدون)
هذه الأخلاقية العالية أولئك لهم الأمن وهؤلاء من الطبقة الراقية في الجنة.
قال تعالى لعيسى u
(يا عيسى أني باعث من بعدك أمة إن أصابهم ما يحبون حمدوا الله وإن أصابهم ما يكرهون احتسبوا وصبروا)
وفعلاً هذه من خصائص هذه الأمة وكلمة الحمد لله على النعمة لازمة من لوازم هذه الأمة ما من مسلم يأتيه خير إلا ويقول الحمد لله وما من مسلم تصيبه مصيبة إلا ويقول إنا لله وإنا إليه راجعون،
قال ولا حلم ولا علم
فقال عيسى كيف ولا حلم ولا علم؟
قال أعطيهم من حلمي وعلمي.
يقول r
(ما ابتلى الله عبداً ببلاء وهو على طريقة يكرهها إلا جعل الله ذلك البلاء كفارة وطهوراً حتى الشوكة يشاكها العبد)
ما من أمة تستقبل البلاء والمصائب كهذه الأمة.
وقرأت مرة أن الأميركين عندما مثلوا فيلماً عن القنبلة الذرية ولما رأوه رعبوا
وقالوا
الأمة الوحيدة التي ستصمد هم المسلمون لأنهم يؤمنون بالقضاء والقدر.